الصفحات

23‏/4‏/2016

الحلقة 76 : حينما رفض البرغوث الهجرة إلى مدينة فاس

مذكرات التجاني  الحلقة : 76

حينما رفض البرغوث الهجرة إلى مدينة فاس

                      بقلم المودن أحمد 

أحس التجاني بأن شيئا ما تغير فيه...فهو يعتقد أن كل فتيات المدشر ينظرن إليه، بل أصبح أكثر اهتماما بهندامه و تسريحة شعره التي تفرض على شعيراته الرجوع الى الوراء حتى و لو اقتضى الأمر حمل المشط بجيبه...لكن رغم إحساسه بالإفتخار كونه أصبح طالبا جامعيا، إلا أن ذلك لم يمنعه من وضع البردعة و الشواري فوق حمارته ثم الإنطلاق إلى الحقل لجمع الحشائش و العشب أو ما يسميه أهل الدوار ب" الربيع " ...ليستمتع بروعة الطبيعة، و خرير المياه، وزقزقة الطيور...وما ما أن يجمع كومة من العشب حتى يضعها على حمارته ثم يركب و مذياعه الصغير بيده...
هدوء تام و سكينة تجعل من العطلة فرصة للإبتعاد عن ضجيج المدينة...ابتعاد لم يدم سوى أياما قليلة، إذ قرر أخوه " خلوق " الهجرة إلى المدينة بشكل مفاجئ مخبرا أباه أنه اكترى بيتا مساحته خمسة و عشرون مترا مربعا، وأنه سيرحل بعد يومين...
قطع التجاني إذن عطلته الدراسية ليعود إلى فاس...فقد شهد صباح الأحد تجمع الأحباب و الجيران في لحظة و داع كانت أشبه بجنازة...بكاء و دعاء، و شبان يحملون سريرين و برمة و طنجرة سوداء و إبريقين أحدهما من دون يد...الزوجة جمعت ملابسها في "باليزتها " التي جاءت بها معها يوم زفافها، و الزوج جمع جلابيبه و ثيابه في " خنشة " صنعت أصلا لتوضع بها قوالب السكر...
وضع " الرحيل " بالشاحنة و غطي بمجموعة من البطانيات الصوفية التي مال لونها إلى الأصفر من كثرة الإستعمال ...ليرسو التجاني فوقها، في حين ركب أخوه و زوجة أخيه قرب السائق...
تحركت الشاحنة لتبدأ عملية ضبط التجاني لتوازنه فوق منقولات غير مرتبة و شاحنة مهترئة و طريق إما أنها تلد الحفر، أو أن الحفر تتناسل مع بعضها ليلا لتلد نهارا...
رغم كل  هذا استسلم التجاني لنوم عميق ، لم يستيقظ منه إلا بعد أن تسللت أشعة الشمس الحارة لجسده النحيف...نظر حوله ليجد نفسه بقنطرة الورتزاغ...قنطرة من حديد اعتلاه الصدأ تشهد أن الإستعمار بنى مشاريعا عجز عن بنائها المتعاقبون على تسيير المغرب بعد استقلاله...
ارتفعت الحرارة أكثر و ارتفعت معها سرعة الشاحنة، ليبدأ البرغوث في القفز  فوق البطانيات ومنها الى الأرض و كأنه يرفض الهجرة من موطنه الأصلي...استمرت عملية القفز  الجماعي للبرغوث الى حدود "سوق أحد بوشابل " حيث توقفت الشاحنة ليرتاح السائق قليلا...و هنا توجه التجاني عند أخيه ليقول له ممازحا : 
_" لقد صدرنا ما يكفي من البرغوث للحياينة و شراگة " 
ضحك الثلاثة بالدموع، ثم استانفت الرحلة ، ليصلوا إلى فاس قبل آذان العصر بقليل.
وجد التجاني نفسه بحي شعبي هامشي في طور البناء، لأن أغلب ساكنيه تم ترحيلهم من حفر و غيران تحت الأرض كانت تتواجد قرب فندق المرينيين و بن زاكور و باب الگيسة...خليط من شراگة و الحياينة و جبالة وولاد جامع يشكلون فسيفساء بشري يصعب التأقلم بين مكوناته...
يوم غد ذهب " خلوق " إلى " الجوطية " فاشترى خزانة و طاولة و سريرين خشبيين مستعملين...وضع فوقهما " بونجتان " ليؤثث بالتالي بيته الذي يشترك في مرحاضه مع جار آخر...
نام الزوج و الزوجة بأمان على ناموسيتهما المركبة من سريرين منفصلين...و على بعد مترين منهما و بنفس "البيت" نام التجاني على " بونجة " وجد راحته فوقها...
أطفأ المصباح و غط الكل في نوم عميق ، ما عدا التجاني...فقد أحس بشيء يعضه!!!
تساءل مع نفسه :" كيف يحدث هذا و قد رأيت البرغوث يقفز الى أن انقطع أثره ؟!!!"
نفذ صبره فنادى على أخيه مستنجدا :
_" أخاي...خاي...وحد الهام أيعضني "
_" انعس أصاحبي هداك غ البرغوث " 
يرد خلوق مطمئنا التجاني...
ثم يشتد العض و الحك و استبدال النوم على الجنب الأيمن بالأيسر ، ثم الأيسر بالأيمن...و لا شيء تغير ، لييهتف التجاني مستغيثا :
_" أخاي ...نشعل الضو نشوف شنو هاذ الهام ؟" 
_ يلاه شعال نشوفو..." 
و ما ان أضاء المصباح حتى بدأت حشرات غريبة مملوءة البطن بالدم حتى بان احمرارها، تسرع للإختباء...مسك التجاني واحدة منها و تساءل :" شنو هاد السخط ؟"
فرد خلوق مستغربا: " مينعراف لمولاه " 
فكر قليلا ثم اهتدى إلى حل...دق في باب جاره ثم سأله عن إسم الحشرة ، فأجابه بأنه " البق " ، و أنه جاء في الخشب المستعمل، لذا عليهم ألا يطفئوا النور لتفادي هجومه...
ابتسم التجاني و هو يقول : " هربنا من البرغوث طحنا فالبق " 
و إلى مذكرة قادمة مع تحيات صديقكم المودن أحمد من ودكة بتاونات.
#أحمدالمودن

هناك تعليق واحد:

  1. Mostafa Sabigou

    المعاناة دائما لصيقة بالتيجاني ، وحتى هو الله يهديه ترك الغرفة فيها 30 دراع وسافر لﻻستقرار في كوخ ببنزاكور ، على اي اللهم اجمع شمل برغوت التيجاني الذي شتته بالحياينة ، ههه تحياتي اسي احمد قصة رائعة ،
    24 avril, 23:05
    Ab Do Abdo

    رائع جدا .يالها من حياة قاسية مر بها التجاني .ما خلا ما دوز ههههه

    Abde Salam Hassoni

    حكاية رائعة وممتعة تحياتي أستاد

    ردحذف

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "