الصفحات

29‏/3‏/2018

الطيارة أيما على مولاث واحد

بقلم المودن أحمد من جبال تاونات المنسية.

في حقل أخضر شاسع، كانت أمي تغني بصوتها الرقيق أغنيتها المفضلة:" الطيارة ، أيما على مولاث واحد"...
كان ذلك أواسط السبعينات ...
حماس أمي يزداد، وصوتها يرتفع كلما مرت طائرة بأجواء سمائنا الزرقاء الصافية...في حين أتساءل مع نفسي و أنا أراقب خيط الدخان الذي تتركه الطائرة خلفها : كيف للطائرة أن تطير رغم ثقل وزنها و عدم تحريك جناحيها كما تفعل الطيور ؟
أمي لا تتساءل مثلي بل تردد أغنيتها دون كلل " الطيارة ... أيما على مولاث واحد "
سؤال كبير كان يسيطر على تفكيري حينئذ ...هل فعلا هناك طائرة بمقعد واحد ؟...ثم كيف عرفت أمي ذلك ومبلغ علمها حمار أو بغل؟!!!
كنت أطوف بين الحقول أأكل " الجعبيط " و" الكرنينة " وكل عشبة حلوة المذاق...ولم أكن أهتم بمؤخرتي العارية و" الغربي" ينفخ فيها كلما ركعت باحثا عما أقتات به...كنت سعيدا بجلبابي القصير الذي يستر عورتي ... نعم كنت أميل للحرية منذ طفولتي وأشعر بسعادة منقطعة النظير...
تغني أمي من جديد أغنية " الطيارة ...أيما على مولاث واحد " فأطير بخيالي بعيدا وعاليا، و كأنني طائر حر .
لم أكن أعرف يومها معنى الوطن ...بل لم أشاهد راية ولا ما يثبت أنني أنتمي لهذا الوطن...ربما كنت " مستقلا ".
كبرت ، وكبرت معي أغنية " الطيارة ...أيما على مولاث واحد "... لأكتشف، بعدما رفعوا راية فوق مدرسة الدوار، وهدموا ما بناه الإستعمار، وهاجرت الديار ، وشاهدت باقي الأمصار...أقول ...لأكتشف أن أمي كانت على حق...فخيرات الوطن اقتسمها أصحاب الطائرات الخاصة فيما بينهم ...نعم أصحاب الطائرة " مولاث واحد " .
بل اكتشفت أيضا أنني لم أكن مستقلا هناك بتلك الجبال ...بل كنت منفيا في تلك المداشر المنسية.
صحيح أن الأغاني تغيرت...وتغيرت أمي...ولبست سروالي....وأنهم وضعوا راية أكبر فوق مدرسة الدوار الآيلة للسقوط ...بل وضعوا راية أخرى فوق بناء مغلق قيل أنه مستوصف ...ووضعوا لوحة كبيرة على الطريق المحفرة والتي تربط الدوار بالمركز...على اللوحة دونوا مبلغا ماليا ضخما مخصصا لتبليط الطريق...كان ذلك قبل عشر سنوات...وصحيح أنهم رمموا اللوحة التي ضاعت أرقامها الأولى ولم تبقى سوى الأصفار ...
رغم كل هذه التغييرات فأنا لست سعيدا...فلازلت منفيا...ومداشر بلدتي منسية...
الطائرات تتطور لتحمل مئات الأشخاص، يا أمي، عوض واحد...و نحن لازلنا ننقل الماء الشروب على الحمير و نسافر على البهائم أو في 207 مكدسين كالخرفان...
آه يا أمي ...لازلنا هناك منفيون منسيون كما كان الشأن عليه و أنا طفل بلا سروال أسير خلفك سعيدا.

#أحمد_المودن
للاطلاع على التعاليق حول هذا النص المرجو الضغط: هنا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "