الصفحات

29‏/12‏/2018

النوبة دالبقر

قصة قصيرة بقلم المودن أحمد

عند مدخل القسم بمدرسة الدوار التي تجاور غابة كبيرة أوقفه المعلم ومنعه من ولوج مكانه بتلك الطاولة المهترئة آخر الصف.... مسكه من قب جلبابه وجره بعنف ثم سأله :
- لماذا تغيبت البارحة ؟
- كانت فينا ....السي ...النوبة دالبقر...
هكذا رد التلميذ النحيف وهو يرتعد خوفا وبردا...
مسك المعلم عصاه الغليظة و انطلق في ضرب هستيري لجميع أنحاء جسد الطفل الأشقر الهزيل، ليتوقف بعد سيلان الدم من رأسه و إبهامه...
كانتالسنة الأولى لهذا المعلم بمدرسة الدوار، ولم يكلف نفسه عناء البحث عن معنى " النوبة دالبقر " التي تفوه بها التلميذ كعذر لغيابه...
بعد أيام جاء رجل من أهل الدوار يستعطف المعلم بأن يرخص لإبنه كي يغيب غدا لأنه" فيه النوبة دالبقر " وليس له من يتكلف برعي بقر الدوار بأكمله، طبقا لعادة ورثوها عن أجدادهم تقضي بأن تتكلف كل أسرة برعي كل أبقار الدوار لمدة يوم واحد ويتم ذلك بالتناوب...
عرف المعلم إذن أنه ظلم "احميذو" من خلال ذاك الضرب المبرح...فندم على إفراطه في القساوة والعنف ،لكنه لم يعتذر له...
بعد سنوات غادر المعلم تلك المدرسة ، كما غادر احميذو الدوار لينتقل إلى الثانوية و منها إلى الجامعة...وبعد سنوات من الدراسة والتحصيل ، حصل على وظيفة بإحدى الإدارات...
كانت المفاجئة كبيرة بالنسبة للموظف احميذو وهو يرى أمامه بمكتبه رجلا فيه من بقايا شباب معلمه القديم السي عبد الرحمان ...
سأله عن حاجته فرد الرجل الذي بدا عليه العياء والمرض :
- يا ولدي أنا جاءني حكم قضائي بالإفراغ من منزل اقتنيته بالتقسيط و لما عجزت عن تسديد ما تبقى ، بعد تقاعدي ، هددوني بالإفراغ...
سأله احميذو عن إسمه وعمله فرد الشيخ :
- اسمي عبد الرحمان ، كنت معلما...والآن متقاعد...
تكلف احميذو بملفه و قام بإعادة جدولة أقساطه حسب مدخوله الشهري ، ووعده بحل المشكلة نهائيا...
فرح عبد الرحمان كثيرا وهم بتقبيل رأس احميذو، لكن الأخير سبقه وقبل رأسه ثم سأله :
- هل يمكنك يا أستاذ أن تشرح لي معنى " النوبة دالبقر "؟
- ابتسم المعلم ،عانق احميذو بقوة وهو يقول :
- كان لدي احساس قوي بأنك احميذو...لقد كانت لدي ثقة كبيرة بأنك ستصل ...
تحدثا طويلا ثم سأل السي عبد الرحمان تلميذه القديم ممازحا:
- وما هي أخبار البقر بالبلدة يا احميذو؟
ابتسم الأخير وهو يرد :
- فأما ذاك البقر الذي كنت تعرفه فقد اندثر و اهتم الناس بزراعة دخيلة...وقد ظهر نوع جديد من البقر اتخذ من المكاتب حضيرة له...


التعاليق حول النص هنا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "