الصفحات

8‏/12‏/2018

وقف علي جدي عبسلام

 وقف علي جدي عبسلام

بقلم المودن أحمد

نمت أمس بصعوبة ، بعدما طال انتظاري لسقوط السقف ...وبدأت الكوابيس تقض مضجعي...إلى أن وقف علي جدي عبد السلام في المنام...
نعم جدي كما حكت لي عنه جدتى بالضبط ، جلباب صوفي أبيض و وجه أشقر ولحية بيضاء و كأنه من سلالة جرمانية...وقد مات رحمه الله بعد الإستقلال مباشرة ...مات وفي قلبه حرقة أكيد ، فقد سألني من دون مقدمات :
- أمتأكد أنت يا ولدي أن محطة القطار لم تعد بالورتزاغ؟
فاجأني بسؤاله ، فردت عليه بثقة في النفس:
- نعم يا جدي ، متأكد جدا...وقد عم الماء المكان...
واصبح أشهر شيء بالورتزاغ هو مركز دركها.
- كيف ذلك يابني ؟
يسأل جدي مستغربا...
- لقد أغرق سد الوحدة المنطقة...
يقاطعني جدي :
- يعني أن الماء عندكم في كل بيت؟
- بل أننا نعاني من العطش صيفا وشتاء...المنتفعون من السد هم الفلاحون الكبار وأهل الغرب...
- ولاد الحرام....
يرد جدي بحزن ...ثم يسأل:
وماذا عن الغابة المحيطة بالدوار ؟
- بيعت تحت الطاولة يا جدي...فاغتنى الحراس...
يقاطعني جدي مرة أخرى :
- أعرف ...أعرف ...أحدهم مات مؤخرا و قد بلغني أنه يبيع " الفاخر " خلف السور العازل بين الجنة والنار...بل العديد من المسؤولين السابقين بالإقليم تصلني روائح أرجلهم وأيديهم ورؤوسهم المحترقة...نعم يا ولدي روائح " أزليف " تصل من هناك مرارا... " والعذاو أدقطع الدرابل" ...
أصبت بهستيريا ضحك و أنا أستمتع بلهجة جدي الذي لم يغيرها لا ظلام القبر ولا ضياء الجنة...لكنني سرعان ما أصبت بهلع كبير و تذكرت تلك الدريهمات التي سرقتها يوما لخالتي فضيلة...ولم يخرجني من صمتي سوى سؤال جدي :
- هل تم استرجاع سبتة و مليلية أم لا ؟
ضحكت كثيرا قبل أن أجيبه :
- الناس يفرون تباعا نحو المدينتين ونحو إسبانيا يا جدي...ورب العزة لو فتحوا الحدود لما بقي في هذا الوطن سوى المستفيدون من خيراته...وبعض خدام الدولة وأمناء الأحزاب...
يقاطعني جدي مرة أخرى :
- هل لازال عدد الأحزاب عندكم إثنين ؟
- هههه إثنين ...هل تقصد إثنان و عشرون أم إثنان و ثلاثون ؟...إنهم يا جدي يفرخونهم كما تفرخ الأرانب...بل يدعمونهم...ويسمنونهم...استعدادا لمبارزة تتم كل خمس سنوات...هههه...دعنا من هذا ياجدي و أخبرني عن بعض موتانا من الدوار...خاصة الذين ماتوا مؤخرا ...
- يا ولدي وكأني بربي تجاوز عن خطاياهم لما قاسوه في دار الدنيا...إنهم جميعا هنا تقريبا...رحمة ربي كبيرة...كيف لا يتجاوز عنهم وهو أعلم بما كانوا يقاصونه بتلك الجبال المنسية من عطش و برد و طرق مقطوعة ومرض...
ولأنني معروف بحب الإستطلاع والبراءة فقد سألته:
هل عندكم الماء في الجنة يا جدي ؟
فرد علي مستهزئا :
- وهل تتخيلنا بإقليم تاونات يا ولدي ؟!!!!
استغربت كيف أن الأموات وصلهم خبر الإهمال الذي نعاني منه، في حين أن مسؤولينا يتجاهلوننا. فقررت أن أسأل جدي عن أخبار بعض المسؤولين الكبار الذين ودعوا دار الدنيا...وقبل أن أفتح فمي سمعت صوت اصطدام شيء ثقيل بالأرض...قمت مذعورا أبحث عن أثر الرمل اعتقادا مني أن سقف بيتي قد سقط مرة أخرى ، فلم أجد شيئا...فتحت الباب فإذا جارتي ممددة بدرج العمارة بعد أن سقطت بسبب الظلام الدامس...
ساعدتها على ولوج منزلها داعيا لها بالشفاء العاجل ثم عدت لأسأل زوجتي:
- ما شفتيش جدي ؟
فردت علي و الغضب باد على محياها :
- شفت الخ....خلينا أبنادم أنعسوا ...
فردت عليها في قرارة نفسي وأنا أستوي بمكان نومي :
- ما فالهم غي اللي أيفهم ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "