الصفحات

5‏/2‏/2019

أنفلونزا الخوف

بقلم أحمد المودن .
البرد قارس بالجبل، أسنان البدويين تسطك، وأنوف بعضهم تسيل، وعيونهم تدمع...وحده السعال الحاد المنبعث من منزل " عمي علي" يكسر هدوء القرية ، حينما يتوقف نباح كلابها طبعا...و لو أن أغلب الكلاب أضربت عن النباح لأسباب مجهولة، فاتخذت من التبن فراشا ، و أدخلت رؤوسها بين أرجلها الخلفية و نامت...
فتح العم علي التلفاز لسماع آخر الأخبار ليصادف رجلا أنيقا يصرح بأن تسعة أشخاص هلكوا بسبب أنفلونزا الخنازير، كما توسع أحدهم في ذكر أعراضها...
أحس العم علي بقشعريرة، ثم بخوف مصحوب بشكوك...فهو يعاني منذ أيام من زكام و سعال و سيلان أنف...
بسرعة أغلق التلفاز وولج فراشه و هو يحمل أسئلته، ولم يبد أي شكوك لزوجته السعدية، لأنه يعرف أنها ستفضحه في الدوار حتما...
بفراشه لا حقته الكوابيس...مرة يرى نفسه محاطا بسياج لكي لا يعدي غيره، ومرة يتخيل نفسه فوق نعش وأهل الدوار يرددون " لا إله إلا الله ...محمد رسول الله..."
في الصباح الباكر، ركب دابته وقصد المستشفى...وبداخله سؤال واحد:" كيف أصيب بالعدوى مع أن الغابة المحيطة بالدوار لم يعد يوجد بها لا خنازير و لا طيور...كل شيء بها انقرض أو هاجر؟!"
طابور طويل من شيوخ بجلابيبهم الصوفية و نساء حوامل وغير حوامل و أطفال محمولون بين أذرع آبائهم و أمهاتهم...و في مقدمة الصف يبدو آثار بياض يتحرك ، قد يكون ممرضا ، أو هكذا خيل للعم علي...
حين يسعل أو يعطس أحدهم ينظر إليه الباقون باستغراب و احتياط...لا حديث هنا سوى عن امرأة حامل ماتت في الطريق بعدما تم توجيهها لمستشفى فاس...وعن الأنفلونزا...
أخيرا وصل دور عمي علي، وقف أمام الطبيب الذي يضع "كمامة " زرقاء على فمه وأنفه...سأله الطبيب :
- شنو عندك الحاج ، باش كتحس؟
رد العم علي بصوت متقطع:
- يمكن فيا أنفلونزا الخرانيز أدكتور...
يضحك الطبيب وهو يسأل :
- الخرانيز ...ههه...شنو هما هاد الخرانيز؟
- الحلالف أدكتور...يمكن فيا أنفلونزا الحلاليف...
-ههههههههه
يضحك الطبيب و هو يفحص العم علي ، ثم يسأله:
- هل تجد صعوبة في التنفس ؟
- لا
- هل وجدت يوما آثار دم بعد سعالك ؟
- لا
- هل تقذف بلغما بعد سعالك ؟
- نعم
كتب له دواء مضادا للزكام ، وشرابا ضد السعال، ثم همس له في أذنه :
- " الحلاليف " هم الذين يأكلون رزقكم بهذه الأرض الطيبة...


التعاليق حول النص هنا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "