هجرة قروية ج 8
بقلم أحمد المودن
بعد عودة عبد السلام إلى طنجة، راودته أفكار غريبة، بل أحيانا شيطانية إلى أقصى حد...مثلا ماذا لو جرب أن يقامر بجزءٍ من المال الذي أقرضه احميدو؟ فقد يحالفه الحظ، فيصبح بين عشية وضحاها من الأغنياء...ومن يدري ؟!
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم...اتق الله يا عبد السلام...
هكذا رد على وساوسه معاتبا نفسه قبل ان ينام...
يوم غد، قصد " السويقة " حيث تباع المتلاشيات والأشياء القديمة. اشترى عربة يدوية تحمل فوقها سريرا خشبيا...
لا مناص عن اتباع خطة احميدو، أوليس هو القائل أن التجارة الحلال تستر حتى وإن لم تُغني تماما كالحرفة أو" الصنعة "...
- سأبيع الخضر والفواكه يا فاطمة فوق هذه العربة...سأطوف في كل الأزقة والشوارع...سأبحث عن رزقي في كل مكان...
كان هذا جوابه ردا على سؤال زوجته التي فاجأها منظر العربة اليدوية التي حلت بالزقاق.
من حي لحي ومن سوق شعبي لآخر، ومن السوق إلى أبواب المساجد...بحثٌ دائم عن لقمة العيش...معاناة حقيقية، ومطاردات يومية من طرف السلطات...كر وفر دائمين...لكن النتائج كانت تدعو للإستمرار، فعلى الأقل أصبح عبد السلام يعود بقوت أبنائه، بل أصبحوا يأكلون أفضل الفواكه كل يوم...
تتوالى الأيام، فيزداد عبد السلام تجربة، بل واكتسب معارفا، وزبائنا دائمين، لعل أهمهم ذاك الرجل الخمسيني الذي توحي طريقة كلامه وهندامه، لمن يقابله، أنه إما عدلٌ أو فقيه أو تاجر، فهو دائما يلبس جلبابا أبيضا وطربوشا صغيرا مستدير الشكل، ابتسامته تسبق كلامه، مقنع في حديثه...
مجمل القول، أعجب عبد السلام بهذا الزبون المتميز الذي لايعرف عنه سوى أن إسمه هو " علال"، و بعد تردد كبير ، تجرأ يوما فسأله:
- قل لي يا السي علال...هل أنت فقيه أم تاجر أم ماذا؟
ابتسم علال طويلا، ثم رد وهو يفترس قطعة بطيخ كانت موضوع رهن إشارة الزبائن قصد تذوق السلعة المعروضة:
- أنا تاجر يا أخي...
- ماذا تبيع بالضبط؟
- أبيع الكلام...هههه...أنا وكيل عقاري أو ببساطة " سمسار "، إن احتجتني في بيع أو شراء أو كراء أو رهن فأنا في خدمتك...
- بارك الله فيك يا السي علال...إن احتجتك فسآتي عندك للمحل، فقط عليك أن تدلني عليه...
كان هذا الحوار بداية لصداقة حقيقية بين عبد السلام وعلال، صداقة كانت مقدمة لتعاون الطرفين تطبيقا لنصيحة احميدو سابقا حينما أوصى عبد السلام بالإتصال بأحد السماسرة...
- السي علال أريد هواءً...
يقول عبد السلام عند أول زيارة له لمحل " السمسار " علال...
فيرد الأخير بضحكة فضحت خلو فمه من الأضراس:
- الهواء موجود في أي مكان يا عبد السلام، ألا تحس بالهواء الذي تستنشقه؟...هههه
- اسمع يا السي علال أريد محلا عبارة عن طابق سفلي أو طابق أول ليس فوقه بناء كي أشتري " الهواء " الذي فوقه...
- ههههه، فهمت قصدك يا عبد السلام، تريد ان تبني فوقه أليس كذلك؟
- نعم، بالضبط...
- عد عندي لاحقا سوف اتدبر الأمر...
يقول علال وهو يربت على كتف عبد السلام...
بعد أسبوع كان لعبد السلام ما أراد، فقد دفع نصف ما أقرضه احميدو مقابل سطح فارغ بالطابق الثاني، سيحوله في ليلة واحدة إلى أربعة حيطان لا ينقصها سوى السقف او ما يسمى في لغة البنائين ب "الضالة "...لكن هيهات!
جاء القائد مصحوبا بأعوانه، بعد وشاية من مجهول، فهدموا الأسوار، واستعرضوا عضلاتهم على عبد السلام وزوجته و المعلم البناء...
كتم عبد السلام همه وحزنه على خسارته، وعاد لتجارته، وبداخله حرقة كبيرة لأن محله تعرض للهدم في حين هنالك من بنى الطابق الخامس، وهناك من استولى على الرصيف وبنى فوقه...
بعد يومين زار صاحبه " السمسار" ليحكي له ما تعرض له، فلامه علال على تسرعه وعدم استشارته قبل بدء عملية البناء، وأخبره أن الحل بيد " المقدم "، ذلك انه عليه احترام السلم الإداري، ثم شرح له المسار الذي عليه أن يتبعه وكم عليه أن يدفع، ولمن يجب أن يدفع، كما وعده بأنه مستعد للتوسط في هذه العملية مقابل عمولة بسيطة له.
وافق عبد السلام دون شروط، فقد أصبح مكرها لا راغبا في الحل، لأنه لا يعقل أن يضيع ماله مقابل " هواء " لا يقيه حرارة صيف ولا برد شتاء...
بين عشية وضحاها كان الإتفاق جاهزا ومشروطا " عليك أن تبني ليلة السبت ويوم الأحد، مع صباغة الجدران الخارجية فورا "...
يتبع...
#أحمد_المودن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "