قصة قصيرة: " الماء والشطابة "
بقلم المودن أحمد
أثار انتباه التجاني منظر " شطابة " ألقي بها قرب منزل طيني و قد غطاها الوسخ و تآكلت جنباتها و كأنها لسان حال أهل الدوار...تساءل التجاني مع نفسه لماذا يردد أهل البادية عبارة "الما و الشطابة حتى لقاع البحر "؟؟؟
أكيد هناك سرا لا يعرفه سوى أهل القرى ، لذا قرر أن يتواصل معهم عن قرب ليعرف السر...
كانت بداية الغيث قطرة ...فقد جلس التجاني وسط مجموعة من الرجال المسنين الذين اتخذوا من الحائط الخارجي للمسجد متكأ لهم ...
جلس معهم ليستمع فقط، فهو يصغرهم سنا و لا يحق _ في عرف البدويين _ أن يتكلم صغير السن بل وقد لا يجالسهم أصلا...
جاء العم عبسلام بخبر ساخن مفاده أن حارس الغابة قد رحل...
علق عمي عبقادر ببرودة دم: " الما و الشطابة... "
ليلعق بعدها بأنفه الطويل سطرا من "النفحة "...ثم يتابع :
_ " أكيد أنه قد شبع...و قريبا سيأتي آخر أكثر جوعا منه، فيمتص دماءنا أكثر مما يمتصها الناموس و البرغوث...".
العم عبسلام يقاطع العم عبقادر مؤكدا خبره الأول بما هو أخطر :
" بل حتى"لاجودان " سيغادر قريبا...هذا ما أكده لي المقدم..."
رد عليه عمي السعيد و هو الذي اقتنصه المخزن من بين كل مزارعي القنب الهندي ليكون كبش فداء :
_ سيذهب لاجودان بعدما ساهم في تفقيرنا بسلبنا رزقنا، ثم ليقبض علينا إن نحن رفضنا أن نؤدي...أتعلمون أنني سمعت أنهم يتهافتون ليعينوا في منطقتنا... بلادنا فيها المرعى هههه...الما و الشطابة "
وهنا اننتفض التجاني ناسيا فارق السن بينه و بين الشيوخ الجالسين بجانبه:
_ المشكل أننا نحن من نستحق هذه الشطابة ...فصمتنا و خنوعنا و خوفنا هو السبب...المسؤولون المفسدون يجب أن يشطبوا تشطيبا...نحن لا نستطيع تشطيب حتى من ينوبون عنا، فبالأحرى من أطلق يدهم المخزن، و دربهم خصيصا ليصنعوا منا أداة انتخاب و صمت"
بدأ البدويون ينسحبون من حول التجاني الواحد تلو الآخر...ليجد نفسه و حيدا يتكلم كالأحمق ...
اسرع الخطو ليلتحق بآخرهم و يعرف سر انسحابهم...لحق بالعم عبقادر الذي رد عليه قائلا :" أنت يا ولدي تتكلم في السياسة "
ابتسم التجاني و هو يتمتم :
_اذهبوا ، الماء و الشطابة...الناس وصلوا الى استعمال كراطة تذر عليهم عشرينا مليارا، ونحن لزلنا نسعمل شطابة الدوم و نردد بيننا و بين أنفسنا" الما و الشطابة حتى لقاع البحار" ...فلم نعد نجد ماء نشربه...فما عساها ستفعل الشطابة من دون ماء؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "