الصفحات

16‏/11‏/2016

مذكرات التجاني الحلقة 85 " ذكريات من الزمن الجميل "

مذكرات التجاني الحلقة 85

" ذكريات من الزمن الجميل "

بقلم المودن أحمد

كانت سعادة التجاني كبيرة حينما أمره أبوه بطلب البغل من العم الطيب...فقد عرف أنه سيكون يوم درس الزرع بالبيدر المطل على دار الحبيبة...
- سيكون يومُ حُبٍّ و حَبٍّ...
هكذا اعترف التجاني لنفسه وهو يقتلع نبتة " العطاسة " لتحنيك "النادر " بما اجتمع من روث البقر...
حمل لفافة العطاسة ومر على دار العم الطيب...جرَّ البغل بعدما شكر صاحبه ، ثم قفز فوقه و أمر بصوت عال:
- أرا زيد أرا...
وما أن دخل العم الطيب إلى بيته حتى نزل التجاني عن البغل و ربطه،  فقصد دالية  وملأ حِجْرَهُ عنبا، ثم عاد لقيادة البغل...
اشتدت حرارة شمس الظهيرة، فاجتمع اﻷب و اﻷبناء  وربطوا البهائم لتبدأ عملية الدرس...
يمسك خلوق بالحبل ويبدأ بالقول :
- باسم الله وتوكلنا على الله...أرَّا دور أرَّا...
تجد البهائم صعوبة في تخطى "غُمور" الزرع الذي يُلقي به التجاني و المجاهد و اﻷب من "أَفَشْقَارْ "باتجاه البيدر...ولكن باستعمال خلوق " للمْصيوطة " تتخطى البغال الحواجز لتتساوى جنبات "الدَّرْسَة " ...حينها فقط يمسك التجاني بالحبل وهو يردد بزهو:
- عايد عايد عايد
ولأنه يحق لمن يمسك بحبل القيادة أن يرفع صوته إلى درجة أن يسمعه كل سكان المدشر، فقد كان التجاني ينظر الى دار الحبيبة و يخاطب البهائم :
- على لطراف الحبيبة على لطراف...
وكأنه يرسل لها رسالة عبر الأثير...فيكون جوابها على الفور بالقاء اطلالة من شرفة منزلها...
يتناوب الحاضرون على المسك بحبل البغال في حين يدفع الآخرون التبن بالمذرة ومنهم من "يشطب " ما تناثر من زرع وتبن بشطابة من العطاسة اليابسة.
ينتهي الشوط الأول، فيتناول الأب و اﻷبناء ما جاد به مطبخ اﻷسرة من شاي و خبز و زيت...وبعدها يتم قلب "الدرسة "...ثم تكرر عملية الدرس...
اﻷب وحده من يملك حق إعلان نهاية العملية...إذ ما أن ينطق بجملته المحبوبة "صافي راها طابث " حتى يبدأ الشباب في جمعها على شكل تلة...
الشمس تقترب من مغربها و الرياح غربية...إنه الجو الناسب لتصفية الزرع...
يغيب اﻷب للحظات ليؤدي صلاة المغرب بالمسجد الذي تحيط به البيادر من كل جهة...فيغتنم الشباب الفرصة للدعابة و السخرية وذكر المستملحات و هم يُصَفُّونَ بالمذرات إلى أن يُعزل التبن الكثيف وتطل حبات القمح، وهم يغتنمون هبوب الرياح التي تنقطع من حين لآخر...
حين يمر شخص قرب البيدر يخاطب الشبان قائلا :
الله إيعاون ألولاذ ...الله يحضر البركة و يقوي العشور...
مباشرة بعد مجيء اﻷب " يتعقل" اﻷبناء ويطبقون قرارات اﻷب التي تأمر باستعمال اللوح عوض المذرة...
حمل عبد السلام "لامبة " للإضاءة...فالمفروض إنهاء العملية ليلا ما دامت الحبوب قد أصبحت ظاهرة...
يستمر اﻷبناء في عملهم دون كلل، و بين الفنة و الأخرى يتدخل اﻷب لينهر أحدهم لأنه دخل إلى البيدر بحذائه...
صمت رهيب يسود وقت ملإ اﻷكياس...
سأل التجاني أباه عن سر هذا الصمت و هما يحملان الحبوب إلى المنزل، فأجابه بثقة :
- باش كتحضر البركة...

 
                               

هناك 27 تعليقًا:

  1. غير معرف16/11/16

    Abdellah Moulalbab
    و الله انه لزمن جميل رغم معاناتنا و نحن نعيشه بكل ألوان التعب و الفقر
    تصوير جميل لعملية الدراس بكل تفاصيلها و شخوصها

    ردحذف
  2. غير معرف16/11/16

    حميد الگرضى
    يا لها من أيام جميلة لا يحس بجمالها إلا الأجيال التي عاشتها نظرا لكرم أهلها وبساطتهم والتضامن والتعاون فيما بينهم . أيام البركة والرزق أما اليوم فكل هذه الصفات والقيم النبيلة اختفت واصبحت الأنانية والمكر طابعا سائدا في المجتمع

    ردحذف
  3. غير معرف16/11/16

    عبد الحميد الدويمة
    روعة الحكي التي حباك بها الله جعلتنا نعيش عملية الدرس في شهر نونبر الحار وكأنه شهر غشت الذي انقرضت به البيادر مع عصر المكننة التي نلنا منها القشور ، شكرا لك أيها المبدع....

    ردحذف
  4. غير معرف16/11/16

    Alilou Zerouali
    اكثر من رائع ، صراحة وضعتنا في اجواء معاشة اقل ما يمكن وصفها به انها مليئة بالبساطة لكنها جميلة ومفقودة،... ولعل ما ختمت به المقال وهو الاشارة الى البركة ، هذا المصطلح المسموع لكن يبقى غير مفهوم
    ولعل الاحساس بحلاوة هذه العيش رغم تمارة وقلة الشيئ هو البركة عينها... مع الاشارة فقط... هذ التيجاني ماشي سويهل!!!
    بداها بالسرقة دالعنب وكملها بالتغزل تحت الدف....!!!

    ردحذف
  5. غير معرف16/11/16

    Ma Di
    اخي عند نهاية الحصاد والدرس تقوم اﻻسرة باستدجاء الحماس واسرته مع الجيران والحبيبة ويقومون بحفل نهاية الموسم بفرك ماتبقى من اسيور الزرع في النادير وتهييئ كصعات من الكوسكو مع الزغاريد وااﻻغاني المناسبة للحفل وبعد اسبوع اواسبوعين يتم زفاف الحبيب والحبيبة ( الدهبي )

    ردحذف
  6. غير معرف16/11/16

    Abdelghani Bouaoid
    من يتكلف بعملية التشطاب يقول اﻷب ﻹبنه الصغير الدي يكون ناعس تحت الزيتونة كايتفرج فعملية الدرس نوض أولدي غرب فتجده نايض مكرها هههههه هدي كانت كاتوقعلي

    ردحذف
  7. غير معرف16/11/16

    Rachid Elmo
    وراك واعر ابا احمد

    ردحذف
  8. غير معرف16/11/16

    Abdelhay Ezzayate
    والله اسي احمد دائما تفكرنا في الزمن ديال الحياء والحشمة والبركة وشكون باقي تيعقل على العطاسة محال باقة حتى تتنبت

    ردحذف
  9. غير معرف16/11/16

    Mohamed Abu Walid
    فكرتنا في ايام مرى عليها زمان

    ردحذف
  10. غير معرف16/11/16

    EL Hamzaoui Abdelmalik
    لا اكرر ما قاله الاخوان في تعليقاتهم ولكن ببساطة تجرنا اخي احمد الى الوراء جرا رغما عنا بحكاياتك الجميلة وتجعلنا نعيش طغولتنا ومراهقتنا ايام الصيف الجميل . فعلا كانت ايام جميلة لا يعرف كنهها ولا يتذوقها الا من عاشها.فشكرا جزيلا مرة اخرى اخي احمد ودمت كاتبا جبلبا بكل ما في الكلمة من معنى.

    ردحذف
  11. غير معرف16/11/16

    Abdelfadil Grimet
    حكي جميل.عايد عايد كان يجب عليك شرحها ربما لن يعرفها الجميع.
    و بالمناسبة عايد عايد نقولها عندما نريد قلب اتجاه دورات البهائم.
    تحياتي لك

    ردحذف
  12. غير معرف16/11/16

    EL Motaki Souad
    اجمل ما في المذكرات انك تجعلنا نعيش الحدث بادق التفاصيل و بتصوير قريب للروح نستلهم معه صيرورة الحياة انذاك ببساطتها و طيبتها و حلاوتها شكرا اخي احمد و ما شاء الله فلك ذاكرة اعتبرها خزانا لمعطيات جبلية محضة بدات تندثر ان لم تكن اندثرت فعلا تحياتي

    ردحذف
  13. غير معرف16/11/16

    Ali El Mokhlesse
    قصة جميلة جدا سي احمد ذكريات اصبحت من الماضي. ذكرتنا بافشقار و التافة و العطاسة والحناكة وغيرها من المصطلحات القروية العريقة فلك مني جزيل الشكر والامتنان.

    ردحذف
  14. غير معرف17/11/16

    Mohamed Rkhissi
    وواو !!!! وسندخل للزمن الذي يتحاشى الكثير الحديث عنه .. زمن الانسلات من الزروب ، والأشجار ، وحتى السواقي والخنادق ... كلاهما يسرق النظر للآخر .. بل ويوحيان بأنهما ليسا هنا ، وإلى ... وإلى ... أشكرك وأعتذر عن القراءة السريعة ( من الهاتف فقط ) لأنني على الطريق ... ومؤكد سأعود للقصة قصاصنا ومحرك صور الزمن الجميل ...اشكرك.

    ردحذف
  15. غير معرف17/11/16

    Mohamed Rkhissi
    وواو !!!! وسندخل للزمن الذي يتحاشى الكثير الحديث عنه .. زمن الانسلات من الزروب ، والأشجار ، وحتى السواقي والخنادق ... كلاهما يسرق النظر للآخر .. بل ويوحيان بأنهما ليسا هنا ، وإلى ... وإلى ... أشكرك وأعتذر عن القراءة السريعة ( من الهاتف فقط ) لأنني على الطريق ... ومؤكد سأعود للقصة قصاصنا ومحرك صور الزمن الجميل ...اشكرك.

    ردحذف
  16. غير معرف17/11/16

    افتقدنا تلك الأيام ولم تعد عملية الدرس بالبهائم فقد تطورت الى استعمال الالة ولم نعد نستمتع بتلك الاجواء .

    ردحذف
  17. غير معرف17/11/16

    Mohammed Bouchebti
    تصوير جميل ورائع بالكلمات الدالة المعبرة

    ردحذف
  18. غير معرف17/11/16

    Abdelaziz Azzouz Dahbani
    الشكر موصول للأستاذ الفاضل على هذا العمل الرائع. لقد حلقت بنا استاذي في غياهب الماضي الجميل ودفعت بذاكراتنا إلى التغلغل في ذكريات الطفولة والشباب وسنوات الدراسة الثانوية والجامعية والعطلة الصيفية بين أحضان الوديان والبيادر و " التخريفة " دالكرموس والعنب والهندية وكل ما لذ وطاب من الخضر والفواكه الموسمية (البيو ) وحضور الأعراس في موسم الصيف ولو كانت في السند والهند (العكز غير مسموح به ) . لكم يحز في نفسي وانا ارى بأم عيني ما أصبحت عليه " البلاد " خلال السنوات الأخيرة من انقراض لبعض العادات والتقاليد والأعراف وانتشار الكراهية والحقد والنزاعات (قاتلة أحيانا ) بسبب العشبة اللعينة التي خربت البلاد والعباد. فاللهم إليك المشتكى.

    ردحذف
  19. غير معرف17/11/16

    Hakima El Ouali
    روعة في السرد انها مدكرات الزمن الجميل حقا افتقدناها

    ردحذف
  20. غير معرف17/11/16

    ابو اروى
    قصة رائعة من تراث جبالة لقد افتقدنا مثل هاته العادات اصبحت مجرد ذكرى من الماضي بفضل الألات المتطورة في درس الزرع

    ردحذف
  21. غير معرف17/11/16

    Mohamed Ezghari
    mchat ayam ojat ayam hadik hiya lbarak finahowa bosiyar eloh elmedra delkhcheb :chkon bayhanek enader berrawt daba ofinahiya chkon ba9i kayjma3 errawt....chokran bezaf asi ahmad

    ردحذف
  22. غير معرف17/11/16

    Abdellah Asfoury
    شكرا جزيلا استاذ احمد
    تلك الايام التي عودتها مستحيلة...
    عشناها وتذوقنا حلاوتها بحرها وتعبها

    ردحذف
  23. غير معرف17/11/16

    سعيد يوسف الزروالي ·
    كانت البساطة تخيم على كل شيئ في الحياة آنذاك ، وكانت الأفكار تضل حبيسة محيطها المتواضع المملوء بالنية والتكافل والتآزر والتعاون ( التويزة و...و ...) الأآن إنقلبت الأمور رأسا على عقب وأصبحت الأٍرض تنبت منتوجات ماكان يعرفها الأب الذي كان يتخكم في كل شيئ ... تحية أستاذ بساطة الرواية وعمقها الدلالي الذي يجرنا للأمس القريب .

    ردحذف
  24. غير معرف17/11/16

    Mohamed Zanbou ·
    روعة اخي ذكريات جميلة في زمن كان يسوده الحب والاحترام والقناعة رغمة بساطة المعيشة شكر اخي على احياء الذكريات

    ردحذف
  25. غير معرف17/11/16

    Ahmed Chaoul Rohi
    قصةرائعة
    استاذ احمد ممكن اعادة النشر على يومياتي

    ردحذف
  26. غير معرف17/11/16

    Abderrahman Merizak
    وصف دقيق ورائع شكرا لك سي احمد ذكريات جميلة

    ردحذف
  27. غير معرف17/11/16

    Hassan Mouiddene
    أخى احمد وشدك ادرسه بقي مطبة

    ردحذف

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "