الصفحات

27‏/10‏/2022

الخبز اليابس أو البوجماط

 الخبز اليابس أو البوجماط

قصة قصيرة بقلم أحمد المودن 


وهو طفل صغير، كانت أمه، رحمها الله، توصيه دائما بعدم العفس على الخبز، حتى وإن كان يابسا، مكررة نفس الجملة: " تلك نعمة من نِعم الله لا يجب العفس عليها..."

بل وكانت تأمره بالتقاط بقايا الخبز اليابس الساقط على الأرض وتقبيله، ثم وضعه فوق صخرة أو سور أو جذع شجرة...

كبُر، وكبُرت معه هذه العادة، بل حتى عندما هاجر من البادية إلى المدينة لازمته عادة إماطة الخبز عن الطريق ووضعه بمكان أعلى...

في الحقيقة خبز المدينة اليابس له خشخة خاصة، ليس كخبز البادية الذي إن يبس، أصبح كالصخر، خاصة إن كان خبز شعير أو ذرة...

خشخشة خبز المدينة اليابس، تعطي الإنطباع على أنه مثل أهلها، لين ويتفتت بسرعة، بل ويذوب بمجرد رشه بالماء، عكس الخبز اليابس بالبادية، فالقطط تقف فوقه وهي تموء راغبة في مد يد المساعدة لإعادة هيكلته ليصبح صالحا للأكل...

على كل حال، بينما محمود يسير اليوم على طريق مبلط، ضرب شيئا خفيفا برجله، فأحدث خشخشة. فقال مع نفسه: " مابال الناس يرمون الخبز اليابس في كل مكان؟"

نظر إلى مصدر الخشخشة، رغبة منه في إماطة الخبز اليابس عن الطريق، فأطلت عليه بلونها الأزرق الفاتن، وكأنها عيون فتاة إفرنجية لم تتجاوز السادسة عشر من عمرها. كانت تفاصيل أرقامها ورموزها تبدو كعروسة ليلة الزفاف...المهم انحنى كما ينحني على الخبز اليابس ، وقبلها كما يقبل الخبز اليابس ووضعها بجيبه عوض أن يضعها فوق سور أو شجرة كما يفعل مع الخبز اليابس...

حزِن لمن ضاعت منه هذه الزرقاء الجميلة، والتي زادتها جمالا قيمتها المكتوبة عليها بالأرقام والحروف" 200 درهم "...لكن حزنه لم يدم طويلا، فقد تبين له أنها أجمل وأحلى وأبهى من باقي الزرقاوات بجيبه...

بعد دقائق وجد محمود نفسه يبتسم وهو يتساءل:

- ما الذي يجعل النقود التي نعثر عليها بهذه الحلاوة ، وهذا البهاء؟

#أحمد_المودن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "