الصفحات

14‏/2‏/2018

عين باردة : قنديل بني زروال

قصة قصيرة بقلم المودن أحمد


كانت فرحته كبيرة وهو يقرأ خبرا كبيرا بإحدى الصفحات :" قريبا ستصبح عين باردة قرية سياحية نموذجية ".
وازدادت فرحة احميذو حينما أتيحت له فرصة زيارتها...فرحة بدأ منسوبها ينقص رويدا رويدا مباشرة بعد اقتحام حدودها الجغرافية...
لقد قرر دخولها من الخلف وعلى حين غفلة من أهلها...تماما كما يفعل الجنود عندما يريدون فتح مدينة محصنة...
عين باردة كانت فعلا محصنة بطريق محفرة لم يبقى من اﻹسفلت إلا خطوط متقطعة أصبحت تأخذ أشكالا هندسية تشبه رسومات الفينيقين أو البيزنطيين على حيطان معابدهم المكتشفة...
استغرب احميذو ثم سأل مرافقه :
- أمتأكد أنت من أننا في الطريق إلى عين باردة ؟
فأجاب المرافق بثقة :
- نعم ...إنني أزورها باستمرار...
فيعقب احميذو متسائلا:
- وما هذه الطريق المحفرة ؟
- إنها من مظاهر عراقة وقدم هذه القرية التي شهدت معركة البيبان...لقد قرروا عدم إدخال أي إصلاحات عليها لتبقى شاهدة على عمق التاريخ...وهذا طبعا في إطار الحافظة على تراثها...ألا تعلم أنها قريبا ستصبح قرية سياحية نموذجية ؟!.
- نعم ...أعلم ذلك فقد قرأت عنه...بل و سيعززونها بمزبلة ايكولوجية...
يجيب احميذو مطمئنا مرافقه و هو يمسح القرية بعينيه، مركزا على " سبالة " مهدمة و أخرى من دون ماء...ثم مباني قصديرية يعلوها الصدأ...وعلى اليمين جبل البهموت بشموخه واقف كجندي يحرس القرية ويخفي عيوبها...
وسط القرية يصادف احميذو طفلا يحمل " لامبة " بيده...إعتقد للتو أن اﻷمر يتعلق بجمع الأدوات المحلية القديمة لوضعها بمتحف القرية السياحية...وغير بعيد سمع شعارات يردد الجبل صداها " شاعلين. شاعلين، بلا رشوة بلا بوسان اليدين " ...استوقف الطفل وسأله:
- اسمع يا فتى ...هل ذاك المصباح للبيع ؟
- لا يا عم ...إننا لازلنا نضيء به منزلنا فنحن لا نتوفر على كهرباء...أنا ذاهب لأشارك به في اعتصام بالجماعة...
يجيب الطفل ببراءة ...
توقف احميذو غير بعيد من باب الجماعة ليفاجئ بسكان بسطاء من بينهم نساء وأطفال يطالبون بربطهم بالكهرباء وهم محاطون برجال الدرك والقوات المساعدة ...في منظر يوحي بأن اﻷمور تسير بعقلية السبعينات تماما...
تراجع احميذو ومرافقه إلى الخلف خوفا من تلفيق تهمة مساندة اﻹعتصام...ثم طلب من مرافقه مغادرة القرية ...
غير بعيد من عين باردة وفي الطريق إلى سيدي المخفي يصادف احميذو صديقه " الباردي "
بعد صلة الرحم يسأله اﻷخير :
- أين كنت يا هذا وإلى أين أنت متجه؟
فيجيبه مبتسما :
- لقد كنت بالقرية السياحية...لقد كنت مدعوا للمشاركة في نشاط ثقافي...وعلى ما يبدو أنها فعلا تراث إنساني قديم وسيبقى قديما مادام البلد يرسل قمرا اصصناعيا للسماء و المواطنون هنا يبحثون عن الكهرباء ...بل ويبحثون عنه بلامبة ..ههه!!!
أحس " الباردي " بخجل طفيف و" حكرة " فهبط بنظره إلى اﻷرض وهو يردد :
-هذي القرية الباكورية ...ماشي السياحية ...أيضحكوا على الرجال ...
فودع صديقه احميذو وهو يتمتم :" الله يا الحق ...الله ياخذ الحق..."


لقراءة التعاليق حول هذه القصة المرجو الضغط : هنا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "