قصة قصيرة بقلم المودن أحمد
الكاتب أحمد المودن |
كان هذا الجواب الوحيد الذي يردده الحاج احميدو كلما سأله أحدهم عن أحوال زوجته...
رغم بلوغه سن الخامسة والسبعين فهو يمني النفس بالزواج من جديد، فرقية لم تعد تصلح لشيء بالنسبة إليه، فقد أصبحت عبارة عن كومة عظام يغطيها جلد رقيق، أنهك جسدها المرض و لم يبقى فيها سوى اللسان، رغم ذلك فهي تقف حجرة عثراء أمام مشروعه السري بالزواج بما تشتهي نفسه من صغيرات السن.
هوعادة ما يتباهى أمام رجال الدوار بأن المحرك لديه يعمل بشكل طبيعي ،فقط يلزمه من يتقن السياقة...
هكذا يحلو له أن يعبر عن فحولته أمام بني جلدته من شيوخ المدشر، وعادة ما يختم حيثه معهم بزفير متبوع بعبارة محفوظة لديه : " رقية عندها سبعة أرواح ...مستحيل أن تموت قبلي ..."
تحزن المسكينة حينما يبلغها أحدهم مضمون حديث زوجها عنها، فتدعو عليه...
لم يكن يخفي عنها رغبته في الزواج بثانية، لكنها كانت ترفض، وترد عليه دائما : " والله ديك النهار عمرك لشفتو "
بعد صراع مرير مع المرض وَدَّعَت رقية الحياة تاركة خلفها أبناء وبنات كلهم متزوجون ، وزوجا ادعى الحزن أربعين يوما كاملة، ثم لبس بعدها جلبابه الصوفي الأبيض وحلق لحيته وخرج قاصدا مسجد الدوار ليتخذ حائطه متكأ كما كانت عادته...
هو لم يصدق بعد أن رقية قد غادرت بلا رجعة، فكلماتها تتردد بمسامعه ودعاءها عليه يتكرر كلما تذكر صورتها وهي ممددة على سريرها...
في الطريق صادف مرور مجموعة من النساء يلبسن أزهى الثياب، قاصدات حفل عقيقة...حياهن و أكمل الطريق...وعلى الفور وصلته ضحكاتهن...عرف للتو أنهن يتحدثن عنه...
بعد أيام قليلة فاتح أبناءه بأمر زواجه...وأنه بحاجة لامرأة تنظف ملابسه وتهيء له الطعام...
بدأت اﻹقتراحات...منانة ...عائشة...حليمة ...وكلهن إما أرامل أومطلقات...الجميع يقترح ويعلل إقتراحه...وحده الحاج احميذو لم يعطي رأيه بل اكتفى بعبارة : " إيوا يكون خير ...".
بعد أسبوعين اغتنم فرصة زيارة أبنائه له ليفاتحهم بموضوع زواجه مرة ثانية ، لكن هذه المرة كان هو من اقترح العروسة...لقد اختار "سليمة بنت الطيب"، فتاة في العشرين من عمرها يتيمة اﻷب...كانت تتابع دراستها لكنها انقطعت عنها لظروف مادية، والحاج إنما يريد أن يحسن بها لوجه الله حسب قوله.
رفضت الفتاة في البداية لكن أمها أقنعتها بأن الرجل يبقى دائما فحلا حتى وإن كبر سنه، و أنه " بْخَيْرُو وخْميرو "...
فعلها الحاج احميدو إذن وزف العروس الصغيرة للبيت وغاب عن الأنظار...فنسي المسجد والحقل وصلة الرحم...حتى أصبح حديث الصغير و الكبير، وخاصة النساء ...فقد كن يوجهن سهامهن إليه ويدعين عليه علانية لأنه فتح عليهن بابا من أبواب العذاب، فأزواجهن أصبحوا يضربون به المثل ويتمنون وفاتهن لينعموا بما ينعم به الحاج احميدو...
بعد عدة أشهر لاحظ اﻷخير أنه لم يعد في كامل قواه وأن المحرك لم يعد يعمل بشكل جيد...بل أن زوجته لم تعد تهتم به كثيرا...وتتفادى النوم بجانبه...
أصيب الحاج احميدو بوعكة صحية مفاجئة، فنقله أبناءه فورا لإحدى المصحات بفاس ليكتشف أنه مريض بالقلب...بل أن الطبيب وضح له أن فتور المحرك إنما مرده إلى هذا المرض...
عاد إلى الدوار مهموما حزينا...وسيكبر الحزن حينما سيسمع صدفة أحد أبنائه يرد على شاب يسخر منه قائلا :
- هل الحاج يعلم بما تقوم به زوجته أم لا ؟ لقد اتخذت لنفسها خليلا...
فيرد اﻹبن بمزحة تخفي ألما :
- الحاج سيبدأ في إخراج الزكاة ...
كثر القيل والقال وانتشرت اﻹشاعات، فلزم الحاج بيته وكتم سره واكتفى بمراقبة زوجته والتجسس على مكالماتها و البحث في أشيائها الخاصة، و قراءة رسائلها النصية خاصة و أنه يتقن القراءة والكتابة...
نسي نفسه وهندامه ولحيته و دواءه ...أصبح همه الوحيد أن يعرف الحقيقة، فقد أصبح يشك في كل شيء حوله...
وذات صباح سمع الجيران صراخا وعويلا :
- وكواك أعباد الله ...الحاج انتحر ...
دخل القوم عليه فوجدوه مشنوقا بغصن شجرة وسط منزله و تحت أرجله هاتف زوجته وعلى شاشته تظهر حروف تقول :
حبيبي ليس يعدله حبيب
ولا لسواه في قلبي نصيب
حبيب غاب عن بصري وسمعي
ولكن في فؤادي لا يغيب
...............
..............
.............
وفي الجزء المخفي من الصفحة كتب :
قصيدة لسيدة العشق الإلاهي العابدة رابعة العدوية.
ردحذفأخذت مني هذه القصة القصيرة يوما كاملا أتمنى أن تأخذ منكم دقيقة للقراءة و دقيقة للتعليق ...فرأيكم يهمني حتى وان كان سلبيا...وشكرا
Merezak Monim
ردحذفسرد رائع لوقائع حقيقية يتخبط فيها مجتمعنا المغربي لعدم الوعي بالعلاقات الإجتماعية وعلى الخصوص علاقة الزواج هذا الأخير يعتبر المشرع المهم في حياةالفرد قالو عليه الأولين (زواج ليلة تدبيره عام)ولبس قدك يواتيك، بنجاح هذا الزواج تستمر الحياة في طريقها السليم و فشله يعني المتاعب وتشريد الأسرة ، على الأباء أن يدع لأبنائهم وبناتهم تقرير مصير حياتهم وحمايتهم من الإغراءات المادية وأن تكون العلاقة الزوجية مبنية على الإحترام وتحمل المسؤلية من البداية حتى الممات في السراء والضراء شكرا لك صديقي على كتاباتك الهادفة
Hamid EL Kahcha
ردحذفتحية لك اسي احمد . ما اثارني هو خاتمة القصة.
فالحاج انجر وراء اقاويل الرجال قبل الناس.
وكانت له نهاية مأساوية. لو اكمل القصيدة واطلع على زمكانها ما وصل به الامر ااى هذا الموصل.
خير الكلام : البس قداك اواتيك.
محمد المودني
ردحذفقصة رائعة استاذ احمد تعودنا على مثل هذه الانتاجات القيمة والرائعة ك مني الف التحيات لك استاذ احمد
Abdelfadil Grimet
قصة فيها إبداع كبير و هذه و إن كانت متخيلة فقد تحدث أو حدثت فعلا.تحياتي أيها المبدع.
Samir Elzahir
في الحقيقة فاجاتني بهاد القصة السي المودن كنت اتوقع قصة مضحكة لكنك المتني بهاد القصة الله يسمحليك هههه
Elghali Frakchi
واسي احمد اعطتنى خاتمة درامية خلي الشوابنة يتيقو فريوسهم اللهم يتزوجو ولا يخرجو الطريق ههه على العموم سرد متقن
Abdelali EL Kassimi
سلمت يدك اخي احمد قصة رائعة وممتازة تستحق القراءة والانفعال الكثير لانها نادرة ومنعدمة في هذا الجيل
Si Med Mjid
تحياتي سي احمد في اعتقادي هذا ليس بغريب لاكن مع الاسف الفتاة غررت من طرف امها وجنت عليها حتى ولو كان الحاج لا زال قادا على معاشرتها ليست من اقارب سنه هناك فرق شاسع فيما بينهم وهذه هي المعضلة في مجتمعنا واساسها الفقر الله يرحم ضعفنا
Kallaki Rachid
قصة راءعة شكلا ومضمونا
Said Mellouk
قصة راءعة سي احمد في الحقيقة ليست خيالية وانما واقعية
Med Alaloui
والله قصة واقعية من مجتمعنا هاذ
أنت عبقرية حقيقي أخي أحمد
Abdelkrim EL
تبارك الله عليك دائما في القمة
ربيع بوزغيبة
قصة رائعة وهادفة
Ahmad Amine
العبره لمن........... و تحياتي اخي احمد
Nordin Hadad
البس قدك اواتيك .تحياتي سي احمد
Mohammed Bousraraf
المحرك وما يدير .... تحياتي سي أحمد .
Omar Omar
تحية لك سي أحمد على هده القصة الرائعة
Mounir Rkhissi
واقع مراهقة شيوخ العصر راهن
تحية أستاذي
Latifa Sami
قصة راءيعة وواقعية.تحياتي اخي
Fettouma Boutaher
كنت غليظ فهاد الصورة ياسيد احمد
Alaeddine Saadallah
Raw3a. Teslam yadayk
Bilal Mansour
قصة رائعة أستاذي وفيها الكثير من الوقعية
Bilal Elwani
تحية خالصة لك استاذي احمد
Charkawi Boumiya
قصة رائعة سي احمد تحياتي
Mehdi Mehdi
رائعة
Med Rha
ممتاز
Imad Elyoussfi
جميل
بكر الزروالي
دائما متألق