مذكرات التجاني حلقة من دون رقم مؤقتا
بقلم المودن أحمد
التجاني والإضراب الذي صنع التغيير بالمغرب.
التاريخ 14 دجنبر 1990.
المكان : مدينة فاس.
انتشر خبر سريع بين الطلبة مفاده أنه سيكون هناك إضراب يوم 14دجنبر دعت إليه بعض النقابات...والإضراب في قاموس التجاني يعني عدم الدراسة ، حسب ما تعلمه في غفساي... في طريقه الى ملحقة الحي الجامعي بعين قادوس فوجئ ببعض الشباب يفرقون مناشير تدعو للإضراب...كان ذلك يتم بطريقة سريعة حتى لا يثيروا الإنتباه...
عرف التجاني من خلال إحدى المناشير أن نقابتين كبيرتين هما اللتان دعتا للإضراب ، الكنفدرالية الديموقراطية للشغل و الإتحاد العام للشغاليين بالمغرب...كان ذلك يشبه المناشير التي تفرق في فاتح ماي...كان هذا مساء يوم 13 دجنبر.
يوم غد صباحا قرر التجاني الذهاب إلى الجامعة بظهر المهراز ليفاجئ بعدم و جود أي حافلة، مع فراغ الشارع من المارة...ثم عاد لملحقة الحي الجامعي...
حوالي التاسعة و النصف قرر الذهاب عند أخيه خلوق الذي هاجر من البادية ليكتري بيتا بعين هارون...و بمجرد و صوله الى منطقة بن دباب بدأت الحافلات تطوف فارغة بالشارع ، لكن لا أحد يلجها...و هنا سمع شابا يقول لآخر :" هدوك راهم الحنوشة ( بوليس سري ) اللي كيسوگوها..."!!!
فجأة بدأ أطفال يقذفونها بالحجارة...ثم تمر الحافلة مسرعة ليكسر زجاجها ، فتغيب لتأتي حافلة أخرى فارغة إلا من السائق فيستمتع الأطفال بقذفها بالحجارة... اتخذ التجاني مكانا آمنا ليستمتع بهذه المناظر التي لا عهد له بها... بعد ساعة ظهر شباب ملثمون، و بدأوا يفتحون المحلات التجارية مستعينين ب" بنسات " و كان ذلك بمنطقة بن دباب ، كانت المحلات مغلقة عن آخرها باستثناء محل تجاري كبير واحد يمتلكه رجل ذو لحية كبيرة ، حاول أن يغلقه بسرعة لكن الشبان فاجأوه ليقتحموه...
أثار انتباه التجاني أن الشبان الملثمين لم يكونوا يأخذون شيئا بل كانوا يقذفون بالسلع باتجاه المتواجدين خارج المحلات!!!!!!!!
كثر الناس بالشارع الرئيسي لبندباب، فخاطبهم أحد الشبان : " يلاه تبعوني " توجه الجميع الى البنك الشعبي فكسروا بابه و اقتحموه...كثرت الفوضى و السرقة في غياب تام للأمن !!!
قرر التجاني الرجوع الى عين قادوس ليفاجأ بشباب يسوقون جرافة قيل أنهم كانوا يريدون فتح السجن المدني ، و هنا بدأ إطلاق الرصاص الحي ، كان الضحايا يسقطون الواحد تلو الآخر في منظر يشبة الحرب الأهلية...ففر التجاني قاصدا منزل أخيه بعين هارون، و في الطريق صادف قدوم شباب بسيارة ترفع علما أبيض و بها شخصا مجروحا كانوا يريدون إيصاله إلى مستشفى إبن الخطيب ليتم القبض عليهم جميعا و تعنيفهم. فر التجاني في اتجاه آخر ، و حيثما صادف مطاردة يغير الإتجاه...مر أمام محل الحاج " بولحية " فوجده لازل مغمى عليه...ليستقر به المقام عند أخيه خلوق... حكى له ما رأت عيناه من جثث و قمع، فصعدا الى سطح المنزل...كان صوت الرصاص يسمع من بعيد، في حين أعمدة الدخان تتصاعد من أحياء باب الفتوح و بن سودة و ظهر المهراز و مناطق متفرقة بفاس...ثم ظهرت طائرات الهليكوبتر تحلق فوق رؤوسهم فخافا و عادا الى البيت ليصادفا نشرة الأخبار ... المذيع يقول أن الأحداث خلفت وفاة متظاهر واحد!!!
قرر خلوق أن يخرج صحبة زوجته ليستطلعا ما يحدث...و في المساء عادا بأخبار تقشعر لها الأبدان...الرصاص الحي و الجثث و الناس ينهبون المحلات التجارية بل والفنادق...
يحكي خلوق و هو يلهث من كثرة الجري: " ذهبنا الى فندق المرينيين الذي أحرق بعد أن نهب الناس محتوياته...ثم رأينا العسكر يطلق الرصاص بعشوائية و يعتقل دون تمييز بين متظاهر و مخرب و لص و إنسان عادي يسير في الطريق..."
وبدأت أخبار تدور بين الجيران عن كوارث ومجازر حقيقية ببن سودة و باب فتوح ، اعتقالات بالجملة خاصة في صفوف الطلبة بظهر المهراز ... مع العلم أن الجامعة كانت قلعة نضال حقيقية تحت سيطرة القاعديين مع تواجد خفيف للطلبة الإتحاديين و كذا التابعين للتقدم و الإشتراكية... وخبر آخر يفيد باقتحام قوات الأمن للمنازل بحثا عن المسروقات...
صباح الغد قرر التجاني الذهاب إلى الحي الجامعي ليتفاجئ بأسرة و أواني و أفرشة وووو...مكتوب عليها إسم فندق المرينيين ملقاة بالأزقة والشوارع... كان الحزن يخيم على المدينة و العسكر يرابطون بكل شارع...وبقع الدم بكل مكان مع آثار الحرائق حيثما ولى المرء وجهه... وبالجامعة عرف التجاني أن الطلبة القاعديون تعرضوا لتنكيل مقصود، خاصة وأنها كانت تفرخ المناضلين الذين كان أغلبهم بدويون أو من مدن أخرى غير فاس... والى حلقة قادمة من مذكرات التجاني
#أحمدالمودن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "