حينما يكون الكلب هو الشاهد الوحيد...
قصة قصيرة بقلم المودن أحمد...
--- الجزء الأول ---
عبد الحي طفل في الثانية عشر من عمره...لم يكن محظوظا كباقي أقرانه، إذ لم تطأ قدماه المدرسة سوى لسنتين ثم ودعها بسبب فقر والديه...أصبح بعدها راعي اﻷسرة...تعوَّد على قطع المسافة الرابطة بين الدوار و الغابة و هو يتبع غنمه صحبة كلبه الصغير " ميغو "...نعم فهذا كل ما تعلم من معلمه : لوشيان ميغو...لوشا ميكي.
في يوم من أيام فصل الشتاء، لبس عبد الحي جلبابه الصوفي وسلهامه و حمل عصاه و" جباده " ثم تبع غنمه صوب الجبل...
الغيوم تمر مسرعة بالسماء فتتداخل ليزداد سوادها...
-أكيد ستمطر علي أن البس سلهامي البلاستيكي...
هكذا تحدث عبد الحي مع نفسه و هو يتخذ مكانا آمنا تحت صخرة كبيرة تغطيها شجرة سنديان ضخمة...
وضع تِينَهُ وماءه بقربه وتاه في أحلام يقضته الجميلة...فتخيل نفسه عريسا وسط شباب المدشر...كان يفرح و يبتسم كلما سمحت الغيوم لأشعة الشمس باﻹطلالة و لو للحظات...ثم يمرر بيده على " ميغو " الذي نام بقربه...
فجأة حط طائر صغير فوق الشجرة...دس عبد الحي يده في جيبه فأخرج " جباده "...أكيد أنه صيد في المتناول...
تحرك الفتى قليلا، فقفز الطائر إلى غصن أبعد...بل و طار بعدها إلى شجرة مجاورة ...وهنا عرف عبد الحي أن الحذاء و السلهام البلاستيكي يفسدان اللعبة...فقرر خلعهما ووضعهما جانبا...
تبع الطائر من شجرة إلى أخرى دون أن ينظر أين يضع رجلاه...لون الطائر أشبه بلون اﻷوراق الصفراء الذابلة...مما يحتم عليه مراقبة تحرك الطائر دون النظر إلى حيث يضع قدماه...
فجأة وجد نفسه يهوى وسط حفرة عميقة من مخلفات عمليات الحفر و التنقيب عن الماء وسط الغابة...
حاول الوقوف على رجليه، فلم يجد قعرا ولا تراب...صارع بكل قواه ليبقى فوق سطح الماء...كان نباح الكلب وهو يطل عليه يعطيه شحنة أكبر ليقاوم الغرق...
عادت الأغنام وحدها إلى المنزل مساء...ووحده الكلب استرسل في نباحه ليتبعه بعويل حزين ...
--- الجزء الثاني ---
تسائلت الأم عن سر قدوم اﻷغنام لوحدها فلم تجد جوابا...فقالت مع نفسها ربما ذهب ليلعب مع أقرانه...أدخلت ماشيتها إلى الحضيرة و تفرغت لتهيئ الطعام...
بعد صلاة العشاء عاد اﻷب...فخاطبته زوجته وهي تخفي وساوسها:
- عبد الحي لم يأتي بعد...وحدها اﻷغنام جاءت ...
فرد عليها بهدوء وثقة :
- اﻷطفال يحبون اللعب كثيرا...ربما هو يلعب مع أقرانه...
نادت اﻷم من الباب بصوت مرتفع:
- عبد الحي ...أااااعبد الحي...
لم يجبها أحد...ثم نادت على أخيه محمد الذي يكبره بسنتين...
حضر محمد وأخبرهم أنه لم يرى عبد الحي منذ الصباح...
شيء ما زعزع قلب اﻷم ولكنها صمدت...
طلبت من ابنها محمد أن يعطي خبزا للكلب، ودخلت في متاهة اﻹحتمالات صحبة زوجها...فجأة عاد محمد مضطربا و هو يصرخ:
- الكلب غير موجود يا أمي!!!
حمل اﻷب مصباحه و بدأ يطوف على منازل الدوار يسأل أبناءهم عما إذا كانوا قد شاهدوا عبد الحي خلال هذا اليوم...
الجواب الوحيد الذي كان يتلقاه: " والله مشوفتو أعمي..."
كان ليل الشتاء أكثر ظلمة...زادت من قتامته سحب سوداء حجبت ضوء القمر...و كلاب تعوي على غير عادتها كالذئاب...
كانت ليلة اﻹنتظار...انتظار قدوم عبد الحي وانتظار الفجر...
في الصباح تفرق سكان الدوار في الغابة...يبحثون عن أثر أو دليل وهم ينادون بأعلى صوتهم : " عبد الحي ...آااااااعبد الحي..."
حوالي الساعة العاشرة رن هاتف اﻷب...حدثه رجل يدعى عبد الرحمان أنه سمع نباح الكلب، وعندما حل بالمكان فر اﻷخير بعيدا...وعند بحثه وجد سلهام عبد الحي وحذاءه...
بسرعة حضر اﻷب واﻷم وسكان المدشر الى عين المكان، وكلهم لهفة لمعرفة سر اختفاء الطفل...
كان المكان عبارة عن خندق فيه عشرات الحفر، منها المغطاة ومنها المكشوفة...اقتنع اﻷب أن إبنه يوجد بإحداها...لكن كيف لهم أن يعرفوا!
وعاد الكلب لنباحه...وبالضبط فوق الحفرة التي شهدت غرق عبد الحي، وكأنه يسهل مأمورية الباحثين عن المفقود...
بسرعة أمسك أحد الشبان حبلَ دلوِِ و نزل إلى أسفل البئر...في حين بدأ الناس يعزون الحاج محمد الذي فاضت عيناه حزنا وألماََ...
كان الناس يطلون على الشاب المتطوع وهم يتسائلون:" أَمَنْدْرَا ؟ أَمَنْدْرَا؟"
فكانت المفاجئة...صوت الشاب يخرج من البئر مدويا:
-إنه لازل حيا...عبد الحي لازال حيََّا ...جُرُّوا الحبل...ساعدوني لأصعد...
لقد كان عبد الحي محظوظا إذ سقط بالبئر وفي نفس الوقت سقط معه بعض الحطب الذي كان يغطي البئر...فتمسك به إلى أن حل الفرج...
حمدا لله وإلا لكان التحقيق سيبقى مفتوحا ككل التحقيقات السابقة... خاصة وأنه ليس هناك سوى شاهد وحيد لا يتكلم...
ملحوظة:
القصة تبقى مجرد انذار لكل حفاري الحفر...وآخذي الرشوة والأجر...والصامتين من المسؤولين الذين غَرَّقُوا الحيوان و البشر...
علي معتصم
ردحذفشكرا على هذه النهاية السعيدة . استاذ المودن تبرك الله عليك اوصافي متصورش شحال كتفجي علينا.
Alilou Zerouali
ردحذفكنا سابقا نتخوف غالبا على اطفالنا من ان تجرهم الاودية والسيول اما الان فنخاف من فخاخ الحفر والابار
Abdellah Moulalbab
ردحذفاوصيك بالمثابرة على الكتابة لتظل حي التفكير
وأنا أتصفح الفايسبوك فأجد منشور لتونات ستي وأقرأ العنوان بقلم المودن أحمد فأجد نفسي متشوق للقراءة حتى نهاية الموضوع قصصك راءعة أخي
ردحذفAbdellah Moulalbab
ردحذفالكتابة كيفما كان موضوعها مدعاة للتفكير و الإبداع ، و التفكير محك للخيال و الخيال يبقي الانسان حيّا مواكبا للتطور
فقد كنت انا في وقت سابق ذَا قلم سيال ، لكن مع انشغالات الحياة و ظروف العمل ، انقطعت عن الكتابة فتبلد تفكيري و ضاق خيالي ، و صرت اجد صعوبة كبرى في التعبير و المواكبة
EL Hamzaoui Abdelmalik
ردحذفلقد نبهت الى خطر هذه الحفر في بعض كتاباتك السابقة .لكنها لم تلق الاذان الصاغبة فوقع ما لا يحمد عقباه.
Achraf Charaf
ردحذفحقا قصة رائعة ولها مغزى لا من حيث أسلوبها وتركيباتها .... لكن حمدا لله انتهت بسلام وفرحة على غير عادة القصص التي كنت أقرأها في نهاية كل قصة كان يخيم علي الحزن. ...لكن هاته القصة نهايتها تدخل السرور بالرغم من أنها لها مغزى يتعلق بإشكالية الحفر المهددة لسلامة أرواح بريئة. ...تحياتي سي المودن ويبقى السؤال هل من معتبر؟ ؟؟؟؟!!!
Abdennaassar Alhmri
ردحذفتحيا حترام وتقدير لسي احمد فانا عصامي واحب القصاص الادبية والخيالية والعلمية عندي قدرا علا لفهم واخيال واسع لكن لا استطيع ان اجيد التعبير كل ماتعلمت القراء اجيد القراء كيفا مكنا شكله او اسلبه اما الكتبة منقدرش نكتب لكن كنميز مزيان لجيد من غير لجيد كنقدر بزاف كتباتك
Abdenbi Rachdi Charkaoui
ردحذفBravo pour l ' invention de cette histoire et l ' exemple qui incitera les responsables à chercher le bien être du citoyen s ' ils sont conscients de la tâche qui leur est conférée