قصة قصيرة
بقلم أحمد المودن
اشتهر عمي علال برعي ماشيته، وسيره حافي القدمين، وبالتالي أصبح يضرب به المثل في المداشر، والقرى، فلا يخلو حديث جماعة من قهقهة تليها عبارة " إنه يمشي حافيا مثل عمي علال..."شيئان غيرا حياة العم علال: دخول زراعة القنب الهندي لمنطقة جبالة ، وتواجد أرضه بجانب الوادي، غير بعيد عن غابة كثيفة، يخاف بوسطها الرجال قبل النساء...
ابتسم الحظ إذن لعمي علال، فأصبح بعد عشرين عاما ينفث غبار سيارته رباعية الدفع على أبناء الدوار، ولم يأتي هذا من فراغ طبعا، فقد اجتث الغابة المحيطة بحقوله، و غرس بها الزيتون ليطمس آثار السنديان الفليني و الريحان و الضرو ، ثم زرعها بآخر أنواع القنب من "خردالة" و غيرها...
بقي لعمي علال حلم واحد ...يريد أن يحج بيت الله، ف "علال الحفيان " يجب أن يحل محلها " الحاج علال"...كما أنه يريد أن يتخلص من ذنوبه كاملة ودفعة واحدة...وله في لقب " الحاج " مآرب أخرى...
كلفه حلمه خمسة ملايين سنتيما، ليجد نفسه صحبة العم إدريس و العم العياشي بمطار محمد الخامس بالبيضاء...
جلباب أبيض وطربوش أصفر مستدير الشكل، و كأنه إمام أكبر مسجد بالقرية...يحمل جواز سفره بيده اليمنى و الحقيبة باليسرى، ولم يتوقف إلا بحاجز التنقيط بالمطار، هنا يفاجئه الموظف:
- السي علال ، أنت مبحوث عنك، والتهمة اجتثاث غابة الدولة وزراعة القنب الهندي ...
- ألا الحبيب ...هاد الشي ماشي صحيح...أنا شحال هادي باش هاجرت لمدينة فاس...شوف ها العنوان فالبطاقة الوطنية...
في ظلمة سرداب بالمطار مد العم علال، لشخص مجهول، المليوني سنتيم التي جلبها له إبنه، ثم طار إلى الديار المقدسة...
بعد عيد الأضحى بأيام، عاد الحاج علال حاملا معه العديد من الهدايا للمعارف والأحباب، كتم سره ، ونسي ما عاناه عند ولوجه المطار أول مرة ، فالإستقبال الكبير الذي نظمته العائلة و أهل الدوار جعله يحس و كأنه ولي صالح حل بالبلدة...
" مبروك ياحاج علال...حج مبرور...تقبل الله منك يا حاج "... عبارات تكررت كثيرا ، فجعلته أكثر زهوا و انشراحا...
بعد أيام تسلل الخبر لأهل المدشر والقبيلة ..." العم علال دفع الرشوة ليذهب إلى الحج !!!"
أصبح كل من هب ودب يفتي ببطلان حجه، فذاق به الحال وقرر أن يستفتي فقيه الدوار...
دخل المسجد دون دق بابه ليجد نفسه وجها لوجه مع الفقيه و هو يطرح ما جمعه له أهل الدوار من قنب هندي في فناء المسجد ليدفئه بعد موجة برد قارس...
ابتسم الحاج علال في بداية الأمر ، لكن قهقهة فضحت تواجده، ليوجه للفقيه سؤالا حير أهل الجبل:
- دبا الفقيه هاد الكيف اللي أدشمشو حلال ولا حرام؟!
ابتسم الفقيه محاولا إخفاء ورطته، فقرر توريط الحاج علال سائلا إياه:
- أولا علينا أن نعرف بماذا سنناديك بعد اليوم ، هل بعمي علال الحفيان ، أم بالحاج علال الحفيان؟
كانت صدمة الحاج علال قوية، والإهانة كبيرة ، فماضيه يلاحقه حيث ما حل وارتحل، لكن ذكاءه كان أكبر من إهانة الفقيه:
- جيت نشوراك الفقيه ...
يقول الحاج علال، مغيرا مجرى الحديث، فيرد عليه الفقيه مناورا:
- تحت أمرك يا حاج...فتوى أم رقية، أم " ضرب الخط "...
- واش يصلح لي نتقدم للإنتخاباث الفقيه؟
- فأما اللقب والمال فهما عندك ، لا ينقصك سوى سبحة تحملها حيث ما حللت وارتحلت ، ولحية تشهد لك بصلاحك، والولاء للمقدم، و إكرام الفقيه على نصيحته...وموعدنا 2021...
#أحمد_المودن
التعاليق حول النص هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "