18‏/4‏/2016

قصة قصيرة : عندما يموت الحب

قصة قصيرة : عندما يموت الحب

 بقلم المودن أحمد

لم يكن احميذو يتوقع أنه بعد عشرين سنة من الزواج و الحب سيلقى هذه المعاملة القاسية من زوجته...
 جلس المسكين غير بعيد عن منزله متكأ على صخرة باردة و هو يعيد شريط ذكرياته...فقد اختار "طامو " من بين العديد من الفتيات اللواتي تعرف عليهن...خاصة و أنه كان زير نساء ...
 اختارها لطيبوبتها و أناقتها و مستواها الدراسي...و لأنها تنتمي لأسرة غنية...و اﻷهم من هذا أنها تحبه بجنون ...
 قبلت على مهره الذي لم يتعدى ثلاثة آلاف درهم...و جاءته من باديتها عذراء عفيف...
 قابل احميذو حبها بوفاء منقطع النظير، و إخلاص سبقته توبة...لأن احميدو كان كثير الحبيبات و المعشوقات...حتى أنه لم يعد يميز بين الحب و اﻹعجاب و العشق و المتعة...
 مع توالي السنين أحب احميدو طامو بجنون...فعاشا سعيدين...فرخا أولادا و بنات...و تحسنت أحوالهما...
 ذات يوم قالت طامو لاحميذو:

 - " لماذا يا زوجي العزيز لا نشتري منزلا بالمدينة، ندخر فيه نقودنا...ويسكن به أبناؤنا ليتابعوا دراستهم؟! 
لم يتأخر احميذوا في تلبية الطلب...بل أنه سجله في إسم زوجته نظرا لانتهاء تاريخ صلاحية بطاقته الوطنية...
 سكن اﻷب و اﻷم مع أبنائهم بالمنزل الجديد ليبقى منزل البادية خاصا بالعطل... تأقلم الزوجان مع جو المدينة...فكثرت صديقات طامو...بل أنها أصبحت تطلب من زوجها شراء منزل أوسع بحي نقي و لو اقتضى اﻷمر أخذ قرض من البنك...
 أحس احميذو بشيء ما يهدد سعادته...فزوجته أصبحت تطوف بنفسها أزقة المدينة بحثا عن مسكن جديد...في حين كان احميدو يراقب و يعارض بهدوء مدعيا سعادته و قناعته بمسكنه المتواضع... و حدث أن جاءت أم احميذو عند إبنها...قضت عنده عدة أشهر بسبب مرضها...فتغيرت تصرفات طامو التي كانت فيما قبل تفعل المستحيل لإسعاد "للا السعدية " مدعية أنها تثير اشمئزازها بأنفها الدائم السيلان!!!
اضطر احميدو أن يعيد أمه إلى البادية لتعيش مع زوجها الهرم ...ثم عاد إلى المدينة على وجه السرعة... و كل أمله أن يجد زوجته أفضل حالا...
حل بالمنزل، فدق على الباب بلطف منتظرا ابتسامة طامو، لكنها أطلت عليه من النافذة و هي تردد: " صبحاتو لله " ثم فتحت الباب و قصدت المطبخ لتفادي رؤيته...
كان أبناءه ينظرون إليه بحسرة و كذلك هو...عم صمت رهيب كسرته طامو بصوتها الغليض:
- " لماذا عدت ؟ ألم أطلب منك أن تبتعد عني و عن أبنائي ؟! "
لم يرد عليها احميدو بل اكتفى بلعن الشيطان و مراقبة رد فعل أبنائه أمام تسلط زوجته التي لم يرقها صمته لتهجم عليه بكلام أكثر احتقارا:
- اسمع...أريد نصيبي من المال الذي جمعناه معا، و دع لي منزلي و أبنائي و انصرف...و ابعث لي مصروف أبنائك كل شهر...
و هنا سينطق احميذو مستفسرا:
- " وكم تريدين أن أبعث لك شهريا ؟
- المخزن هو من سيحدد ذلك ...
ترد عليه طامو و اللعاب يتطاير من بين شفتيها...
دخل احميدو إلى غرفة النوم و جمع ملابسه و أغراضه بحقيبة ثم خرج على الجميع و جلبابه على كتفه...نظر إلى أبنائه فتزعزع كيانه ثم أكمل الخطو إلى الباب، فقال و هو يذرف الدموع :
" و داعا أبنائي...سأعود لأراكم و..."
لكن طامو قاطعته:
-" سير مشيا بلا رجعة...معنداك فين ترجاع الدار داري ...و الدراري بغيين يبقاو معيا"
و هنا و ضع احميذو حقيبته بالباب و رجع الى وسط المنزل و خاطب زوجته :
" اسمعي يا طامو التي نست أصلها وماضيها...إن كنت صبرت معك، فمن أجل أبنائنا...وإن كنت تحملت إهاناتك، فلأني كنت أحبك...ولعلمك فقط فالمنزل منزلي و قد حولته إلى ملكيتي بواسطة الوكالة التي أمضيتها لي يوم كتبنا عقد البيع...و هاهي نسخة من العقد الجديد ...لكن لا تقلقي فأنا سأهديك هذا المنزل...و معه هذا الشيك بمبلغ خمسين ألف درهم كنصيب لك فيما جمعناه معا...و لكن اسمعي جيدا ما سأقول
...إذهبي فأنت......"
حمل حقيبته و خرج، ليفاجئ بابنه الأكبر يلتحق به و هو يردد : " سأذهب معك يا أبي...انتظرني سأذهب معك عند جدي ..."
عاد احميدو إلى الدوار فاستحيى أن يدخله بالنهار...و عند حلول الظلام دق في باب أبيه الذي فقد بصره منذ سنين...فسأل الحاج عبد الله عن الطارق ، فيجيبه احميذو :
" أنا ابنك يا أبي...أنا احميذو عدت ﻷعيش معك و مع أمي...لقد انتهى كل شيء مع طامو..."
فأجابه الحاج عبد الله:
" لا تيأس يا ولدي...و لكن أتمنى أن تكون قد تعلمت ألا تكتب دارا في إسم زوجتك و ألا تجعلها تقودك كما تقود العجوز الحمار...و

ألا تشركها في سر...و ألا تطيل المكوث إلى جانبها اليوم كله..."
عاد احميذو إلى أرضه و اشتغل بالفلاحة، ثم تزوج بامرأة بدوية وفرخ ذكورا و إناثا...إلى أن فوجئ يوما باستدعاء من المحكمة...
 
                             


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "