8‏/12‏/2018

شهادة زروالية


شهادة زروالية

قصة قصيرة بقلم المودن أحمد

كان احميذو يعرف جيدا أن أمه في حاجة لمن يتحدث معها...و لكنه لم يكن يعرف أن ذاكرتها أقوى من ذاكرته...فهي تعدت السبعين بكثير...
حاول استدراجها لموضوع يشغل باله فسألها عن قصد :
- هل تتذكرين شيئا يا أمي عن "الفرنسيس"؟!
ابتسمت و هي ترد عليه:
- و كيف لا أتذكر ، و قد نلنا من النصارى ما لا يمكن نسيانه...
- ماذا تقصدين بالنصارى يا أمي ؟
- هؤلاء الذين عذبوا آباءنا و أهلنا...خاصة لما تم قتل " النصراني " بباب مراكلو "...
و دون حاجة لأسئلة أخرى من احميذو انطلقت اﻷم في سرد ما رأت عيناها وما سمعت أذناها عن حقبة لم يتحدث عنها التاريخ الذي تعلمه احميذو بمدرسة الدوار ولا بثانوية اﻹمام الشطيبي...ولا حتى بكلية اﻵداب بجامعة فاس...
كانت اﻷم تحكي كل صغيرة و كبيرة، و تذكر بافتخار كيف أن عمها هو من قتل " النصراني " صحبة " المجاهد د تينزة"...و ما تلى ذلك من قصف للطائرات و هروب للأهالي باتجاه كتامة...
تبتسم اﻷم و تلعن الشيطان قائلة :
- اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ...لقد أنساني الشيطان في إسم العجوز الوحيدة التي بقيت بدوار تينزة، لأنها لم تتمكن من الهروب...نعم لقد كان دوي الانفجارات مخيفا...هربنا الى كتامة...لكن الطائرات لم تكن تضرب بتينزة ، و قد أثار ذلك استغرابنا...لكننا عرفنا ما جرى بعد عودتنا، فقد حكي الناس أن الطيارين الذين كانوا يقصفون دوار تازكارت بالطائرات كانوا يرون " تينزة " من هناك كصحن ...و حين يلجؤون لقذفها بالقنابل لا يرون شيئا و كأن غمامة قد حالت دون ضربهم لدوار تينزة...
حاول احميذو تغيير مسار ذكريات اﻷم فسألها بلطف :
- وما نوع العذاب الذي عانى منه أهلكم ببني زروال ؟!
و كأنها تتحدث عن أمس قريب، لم تتأخر في الرد قائلة :
- أنا عاصرت " العسة " ، فقد كان "الفرنسيس" يفرضون على رجال الدوار القيام بالعسة بالليل و النهار... كان البرد قارسا جدا...كانوا يضعون أجسادهم في " قفة التبن " كي يتدفؤون قليلا...بل أنهم كانوا يدفنون المقاومين في الثلج...
تتوقف اﻷم للحظة و كأنها تحاول استدراك شيء ما لم تذكره...ثم تكمل :
- كان هناك قوم يبلِّغون اﻷخبار للفرنسيس...كنا نسميهم " الشكامة "...
يفاجئ احميذو أمه بسؤال اخر:
- ما الفرق يا أمي بين الاستعمار و الاستقلال؟
تضحك الأم وترد وقد احمرت وجنتاها :
- أيام الاستعمار كانوا النصارى زوعر و دبا بالشعر كحل...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "