8‏/12‏/2018

الخماس

الخماس
قصة قصيرة بقلم المودن أحمد
وضع المحراث على قفاه ، و تأبط " البدارة " بعد أن تأكد من أنه وضع " أزاكلو " و " الشندة " و " السكة " و البذور وباقي مستلزمات الحرث فوق البهيمة...
يسير خلف البغل، حزينا صامتا كعادته، قاصدا الحقل الذي حدده الحاج علال ليكون موضع الحرث لهذا اليوم...
كانت السماء غائمة، تطل منها الشمس تارة، وتغيب تارة ، فتتقلب معها نفسية العم الطاهر...يمسح دموعه ويحمد الله ثم يكمل المسير...
هو لا يتذكر منذ متى وهو على هذا الحال...فقد تعود على مناداته بعمي الطاهر الخماس أو " الخماس دالحاج علال" ...لم يتزوج كغيره من الرجال...يأكل لوحده و ينام بغرفة طينية آيلة للسقوط...يحس بالألم عند جلوسه ووقوفه ونومه ، لكنه لا يشتكي...
يحرث ويزرع و يحصد و يدرس ، لكنه لم يأخذ يوما خمسه كما هو متعارف عليه في القبيلة...
يتذكر يوما أنه طلب حقه من الحاج علال لكن الأخير قمعه قائلا :
- إنني أوفر لك المأكل و المشرب و المأوى...وهذا أكثر كلفة من خمسك المستحق بكثير...
تساءل مرارا مع نفسه: لماذا هو يعمل والحاج علال يأخذ الغلة؟...لكنه لم يتجرأ على طرح السؤال علانية، إلا لما وصل سن الشيخوخة وما عاد يستطيع العمل فطرده الحاج علال ، ليلجأ إلى مسجد الدوار ، واتخذ حجرة منه مأوى له...
أصيب بمرض جلدي ، ومرض السل، فأصبح سعاله المسترسل يسمع من أطراف الدوار...
ضاق به الفقيه ذرعا فطلب من أهل الدوار إيجاد حل عاجل للنازلة ...
اقترح البعض نفيه إلى الغابة، وحلل آخرون نقله لدار العجزة بالمدينة...وبينما هم في نقاشهم يثرثرون دخل عليهم العم الطاهر الخماس وخاطبهم بأدب :
- أيها الناس، لقد قررت الرحيل عنكم...سأرحل إلى مكان أرتاح فيه، ولكن عليكم أن تعلموا أنكم جميعا مجرد " خماسة " في هذا البلد من حيث لا تدرون...
قالها وانصرف إلى مرقده...
يوم غد لاحظ الناس عدم خروج العم الطاهر إلى متكئه ، فقد كان يتخذ من حائط المسجد متكئا له، ولم يسمعوا سعاله...
تجرأ الفقيه ودخل حجرته بالمسجد ليجده جثة هامدة...فأراد إخبار الناس بمكبر الصوت فإذا به يقول :
- أيها الناس مات عمي الطاهر الخماس...وعاش عمي علال...أيها الناس إنكم مجرد خماسة بهذا الوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "