قصة قصيرة بقلم أحمد المودن
كان أبوه يردد باستمرار عبارة " إيلا بلاك الله بالسعاية، اقصد الخيام الكبار " ...ذاكرة احميذو الصغيرة احتفظت بالمقولة وفسرتها في حدود المنطوق منها...
تمر الأيام فيقرر احميذو الزواج ...استشار أباه ، فردد على مسامعه :" ايلا بلاك الله بالسعاية اقصد الخيام الكبار..."
بعد عشرين سنة من الزواج وجد احميذو نفسه يردد بعد منتصف ليلة ممطرة : " إيلا بلاك الله...اقصد..."
جلس على سريره بعدما ودع النوم جفونه، ينظر لزوجته النائمة تارة ، و يسمع أنين أمه المريضة في وسط البيت، ويدعو لها بصوت خافت :" اللهم ارحمهما كما ربياني صغيرا "...
يغلبه النوم للحظات ثم يقفز من مكانه مجيبا أمه التي تنادي بأعلى صوتها:
- أحميذو...احميذو ...أجي قلبني الحبيب ...أنا رجلي أيحرقوني...
يقلب جسدها المشلول والثقيل جدا بصعوبة...يضع فوقها أغطية دافئة ثم يعود لينام...
بعد حوالي ساعة ، يتكرر النداء :
- احميذو ...أحميذو ...أجي قلبني...
يحاول النهوض ، فتتدخل زوجته ارحيمو قائلة:
- نم أنت ...سأتكلف أنا هذه المرة...فأنت ينتظرك عمل غدا ...وعليك أن تقوم باكرا...
يتكرر النداء على رأس كل ساعة ...فيتناوب احميذو وزوجته على خدمة الأم والسهر على راحتها...
عند آذان الفجر تنادي الأم بأعلى صوتها:
- احميذو ...أحميذو ...اعطيني الحجرة ديال التيمم...
يقوم احميذو دون تردد...تصلي الأم، ثم تدعو له ولزوجته ثم ترفع رأسها إليهما وتقول :
- إنني أستحي منكما حينما أريد المناداة عليكما وأنتما نائمين...
يبتسم احميذو وهو يطمئن أمه قائلا:
- المهم هو أن تكوني أنت بخير ...شافاك الله...
يعودا لسريرهما...
الأم تنادي بعد ساعة ونصف:
- احميذو...آحميذو ...نوض أولدي دمشي للخدمة ديالك...الحال اصباح...
الساعة تشير إلى الثامنة والنصف...يتناول فطوره بسرعة و يساعد أمه على قضاء حاجتها ثم يخرج مسرعا...رغم ذلك يصل متأخرا للعمل ...المدير يوبخه لكثرة تأخراته...يعتذر احميذو دون ذكر السبب الحقيقي لتأخره ...فهو تعود على الدعاء كلما نادته أمه واستيقظ من نومه...ودعاؤه الوحيد :" اللهم اجعل هذا العمل خالصا لوجهك"
في الليلة القادمة اشتد مرض الأم ...في الصباح حملها للطبيب ...فحصها ووصف تحليلات وأدوية...ثم طالب بإرجاعها بعد أسبوع إن لم تتحسن حالتها...
بعد أسبوع كان قرار الطبيب الخاص هو توجيهها لمستشفى عمومي لاستحالة شفائها بالمنزل...
وبالمستشفى العمومي تفاجئت الأم بحالة المرضى المتردية و الإهمال الكبير الذي يعانون منه...فرفضت رفضا باتا المبيت به ولو لليلة واحدة ...فكان قرارها الأخير :
- أريد أن أموت عندك يا احميذو ...
مسح دمعة تسللت ...ثم حملها على ظهره ليضعها على سريرها...وهو يتذكر نصيحة زوجته:
- أمك لن تجد من يقلبها بالمستشفى...دعها معنا...فربما يرزقنا الله من يحسن إلينا عند ضعفنا...
نظر لأمه طويلا وهي نائمة بسريرها ... حول بصره لزوجته التي كانت تستعد لغسل جسد الأم بالحمام ...ثم رفع بصره لصورة أبيه فترحم عليه وهو يقول :
- صدقت يا أبي ..."إيلا بلاك الله بالسعاية ...اقصد الخيام الكبار..."
التعاليق حول النص هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "