23‏/6‏/2022

حوار مع الكاتب أحمد المودن


 حوار العدد الخامس من مجلة امتداد للثقافة والفن 

أجراه محمد واحي مع الكاتب المغربي أحمد المودن.

نبذة تعريفية: 


ولد أحمد المودن بدوار المشاع، دائرة غفساي، التابعة لإقليم تاونات سنة 1971 و قد تابع دراسته الإبتدائية. بمدرسة المشاع، لينتقل إلى غفساي ، وقد قضى بها سبع سنوات بداخلية ثانوية الإمام الشطيبي

حصل على شهادة الباكالوريا سنة 1989 ليحل بفاس لمتابعة دراسته الجامعية بجامعة محمد بن عبد الله التي نال بها الاجازة في الجغرافية سنة 1993. وله بحث مطبوع بعنوان " تدهور الغطاء الغابوي بالسفح الجنوبي لجبل ودكة " 

يهتم بكتابة القصص القصيرة ونشرها بصفحته على الفايسبوك، وعلى صفحات مجلات ثقافية مغربية وعربية. وقد فاز بلقب كاتب السنة بعدة مجموعات محلية، كما فازت قصصه بعدة جوائز تحفيزية...و يصادف هذا العدد من مجلة امتداد للثقافة والفن  إصدار ه لأول رواية له عن دار النشر " مقاربات ".

باحث في تاريخ منطقة جبالة عامة وبني زروال خاصة.

متزوج و أب لثلاثة أطفال .

مستخدم بقطاع التأمين.

أولا وقبل كل شيء نرحب بك أستاذ "أحمد المودن" كضيف هذا العدد من مجلة امتداد للثقافة والفن:

تعتبر رواية "مذكرات احميدو" أول عمل روائي لك، قربنا أكثر من هذا العمل، وما الظروف المحيطة به؟

ج: شكرا لمجلة امتداد للثقافة والفن على الإستضافة، وسأغتنم الفرصة لأنوه بطاقمها الشاب الذي أبان عن كفاءة وتميز في النشر الإلكتروني الهادف.

أما بخصوص سؤالكم فروايتي " مذكرات احميدو " بدأت كتابتها سنة 2015، وقد كنت ارغب في نشر مذكراتي لا أقل ولا أكثر عبر حلقات، لكن تفاعل القراء الإيجابي معها وتأكيدهم على أنهم يجدون أنفسهم بين سطورها جعلني أرسم مسارا آخر للعمل الأدبي، وذلك بالتفكير في كتابة رواية عبارة عن سيرة ذاتية، لكن بنسق مغاير لما كنت أفكر به في البداية.

دائما ما تحاول نقد الواقع في إبداعاتك، فهل تجد نفسك مجبرا على معالجة قضايا اجتماعية؟ أم أنه مجرد توجه أدبي وجدت ذاتك فيه؟ 

ج: الإنسان ابن بيئته كما يقال، لكن حالتي أنا تختلف عن هذا الطرح، فأنا هاجرت قريتي منذ ثلاثين سنة، ورغم ذلك بقي ارتباطي وثيقا بها، لذا فكل ما يعيشه المجتمع البدوي من أفراح وأقراح يؤثر في كتاباتي سواء ايجابيا أو سلبيا، ومن الطبيعي أن أنتقد السلوكات الغير سوية بالمجتمع سواء تعلق الأمر بالأسرة أو الجيران أو الحي أو المدشر أو الجماعة أو الإقليم...وإن اقتضى الأمر نقد سلوكات الدولة، فأنا لا أتردد في ذلك ، لكن بأسلوب أدبي لبق ، دون تجريح ولا قذف ولا  انتقام من أحد.

تقويم المجتمع مسؤولية الفنان كذلك، فالرسام بريشته والكاتب بقلمه والموسيقي بعزفه ولحنه وكلماته الهادفة...فلا يكون المتعلم مثقفا إلا إذا قام بتنزيل تصوره الثقافي إلى أرض الواقع محاولا تغيير ما هو سلبي بما هو إيجابي...وهو نفس الدور الذي تقومون به أنتم حاليا.

هل تنبني رواية "مذكرات احميدو" على وثائق ووقائع تاريخية حقيقية؟ أم أنها تستلهم المتخيل من الواقعي؟

ج: رواية " مذكرات احميدو " تنقسم لجزئين...في الأول تحدثت عن ذكريات احميدو الطفولية وكذا خلال مرحلة المراهقة...وهنا الأمر لا يحتاج سوى لذاكرة قوية وصور قديمة...لكن خلال الجزء الثاني قمت بإقحام أحداث تاريخية بطريقة فنية من أجل التعريف بتاريخ المنطقة التي ينتمي إليها بطل القصة...وحينما نتحدث عن التاريخ، فمن دون مصادر ومراجع ووثائق حقيقية لا يمكنك أن تدعي أنك تكتب تاريخا...وللإشارة فقط فأنا مجاز في التاريخ والجغرافيا، وأتقن أدبيات و شروط كتابة التاريخ...مجمل القول بحوزتي العديد من الوثائق القديمة والتسجيلات الصوتية لشخصيات الرواية، والمراجع...وكل هذا أشرت إليه في موضعه أو بآخر الرواية. 

في بداية الرواية أشرت إلى أنك ستجعل هذه السيرة نوعا خاصا بين الخيالي والواقعي، فإلى أي حد وفقت في هذا المسعى؟

ج: اللجوء إلى الخيال فرضته طبيعة السرد، وبنية المجتمع، ومستوى وعي الساكنة، فمستحيل أن تكتب مذكرات بأسماء حقيقية وتتحدث فيها مثلا عن علاقة غرامية أو عزل لمقدم المدشر !!!

الخيال يجعل الكاتب يبدع بلا قيود، ولو أن ذلك يقلل من مصداقية محتوى المذكرات...لكن بالنسبة إلي ليس المهم هو أن يقرأ الناس مذكرات حقيقية،  بل أن يجدوا أنفسهم في هذه المذاكرات، ولو على الأقل في جزء منها...وهناك من سيجد متعة في قراءة المتخيل فيها...

يبقى المهم هو هل وفقت في هذا المزج بين الخيالي والواقعي...وحده القارئ من يمكنه الحكم ...أما الكاتب فيعرف الحدود الفاصلة بينهما. 

القارئ لسيرتك الروائية سيجد أنك تنبش وتنقش في الذاكرة الذاتية والجماعية، فما هي الآليات التي ساعدتك في التعمق أكثر في هذا الحفر؟

للنبش في الذاكرة الذاتية والجماعية يجب أن تتوفر على آليات نفسية وعلمية ومادية، بحيث يجب أن تتسلح بالصبر وأن ترسم هدفك من البداية وتوفر لنفسك شروط.النجاح من ذاكرة قوية و الإستعانة بصور ووثائق و أن تتعلم فن اقتناص الفرص وتسجيل كل ما يساعدك على تدوين مذكراتك...وكذا الإستعانة بالذاكرة الجماعية الشفاهية وعادة ما تجدها لدى كبار السن...كما أنني كنت أنشر مذكراتي كمادة خام ثم أحصل على كم لا بأس به من التوضيحات والإفادة والتطعيم...وبعدها أعيد كتابتها مستعينا بما تم اقتناصه من القراء.

كذلك عليك أن تتوفر على رصيد معرفي يسمح لك بالتمييز بين ما هو مناسب للنشر وما هو غير مناسب...وبعدها عليك عرض الحصيلة على مثقفين وأدباء معروفين ليعطوك رأيهم...

لماذا أخد المحكي الشعبي المتعدد في روايتك حظا كبيرا؟

بكل بساطة لأنني تربيت بين أحضان جدة كانت تحكي لي كل ليلة حكاية...وهذا الأمر هو أشبه بتواجدك بمكتبة  مليئة بالقصص وأفلام الرسوم المتحركة...فالجدات غي زماننا كن يقمن بنفس دور المكتبة الصوتية.

وما جعلني أركز على المحكي الشعبي في روايتي هو غياب المراجع المكتوبة حول باديتنا فتاريخها هو عبارة عن روايات شفاهية تتناقلها الأجيال...ومن الصعب تحديد الحقيقي من الخرافي فيها...وهذا هو دور الباحث في تاريخ أو تراث البادية.

في فصل وفاة الجدة نجد أن "احميدو" استقبل هذا الخبر وهو في المدرسة بعيدا عن المدشر، فماهو الأثر الذي خلفه هذا الفراق عند "احميدو"؟

أصعب شيء هو أن تفارق عزيزا عليك خاصة من تربيت بين أحضانه، وتكون الصدمة أشد حين يمنعك الآخر من حضور جنازته بدعوى أن الميت قد فارق الحياة وبالتالي فلا فائدة ترجى من حضورك...أكيد أن حزن احميدو كان كبيرا وهذا يحكيه الراوي بالتفصيل في الرواية...لذا أترك للقارئ فرصة اكتشاف ذلك بنفسه.

أيضا تحدث السارد عن السنوات التي قضاها "احميدو" من داخل الجامعة، فذكر إضراب "14 دجنبر" وكذا الاعتقالات والعنف ودوي صوت الرصاص، وانعكاس هذا الإضراب على جامعة ظهر المهراز ومدينة فاس ككل. ما مدى تأثير هذا الحدث على "احميدو"؟

ج : احميدو كان شاهد عيان خلال إضراب 14 دجنبر 1990 وعانى من ويلات القمع والكر والفر لدرجة أن مشاهد الرمي بالرصاص والضرب والحرائق والعويل والبكاء لازالت خالدة بذاكرته، وبالتالي فلهذه الأحداث تأثير نفسي على الشاب احميدو، والدليل على ذلك هو سردها في مذكراته كما لو أنه يعيش اللحظة بتفاصيلها الدقيقة. مع العلم أن هذه الأحداث قد تبدو للملاحظ البسيط أنها عفوية وتلقائية ، لكنها في الحقيقة مركبة و مخطط لها بشكل جيد سواء من طرف المحرضين عليها أو الذين كانوا يوقعون بالمتظاهرين من خلال تيسير مهمتهم في النهب والحرق وهنا يذهب احميدو في ظنونه إلى أبعد حد (....).

أحداث 14 دجنبر 1990 كانت من بين أسباب ظهور حكومة التناوب برئاسة المرحوم اليوسفي...والحقيقة تقال أن أهم تأثير خلفه الحدث بنفسية الشاب احميدو هو شكه في اللعبة السياسية ككل وعدم اقتناعه بأي فصيل أو حزب...وبالتالي اختار عدم الإنتماء إلى أجل غير محدد.

يقال أن الكاتب حيث يبدع، مهما كان ما حققه يعبر نفسه دون المستوى الذي يصبو إليه، وأن شيئا ما لم يقل مازال في جعبته ويحتاج الكشف. فهل أوفيت "مذكرات احميدو" حقها؟ أم أن هناك أمورا أخرى ظلت متوارية في المسكوت عنه؟

إذا اعتقد الكاتب يوما أنه وصل، فذاك معناه أنه مغرور وليس بكاتب...نحن نكتشف يوما بعد يوم أننا في بداية الطريق، لكن رغبتنا في التحسن موجودة وثقتنا بأنفسنا أهم شيء نعتمد عليه...لكن بصراحة حينما نقرأ للأدباء الكبار نكتشف أننا مجرد موهبة في حاجة للمساندة والتشجيع...وهذا ما حدث لي مع رواية " مذكرات احميدو " التي ابتدأت بعنوان آخر وهو " مذكرات التجاني " ثم تحولت لنسق آخر ...والحقيقة أنني أطمح لتطويرها وذلك بطبع نسخة بالفصحى دون لهجة محلية ليكون الإنتشار أكبر بالمغرب كله ولما لا بالعالم العربي...كما ينتظرني عمل آخر وهو وضع شرح لكل مفردة جبلية بنفس الصفحة التي تتواجد بها...

كما أن السارد تحدث عن حياة احميدو إلى حدود سن معينة...لكن البطل سيصبح أكثر تجربة في الحياة، وسيحاول أن يصدر هذه التجارب للجيل الحالي والأجيال القادمة وهذا يتطلب عملا ثانيا وثالثا و...لكن لن يكون رواية ان شاء الله ، بل مجموعة قصصية...وأنا أعمل عليها حاليا.

أما بخصوص المسكوت عنه فقد فرض نفسه، لأن الرواية ستقرأها الزوجة والبنات والمعارف و بعض شخصيات الرواية الحقيقيين، لذا يصعب البوح أحيانا حتى لا ينقلب السحر على الساحر.


باسم مجلة امتداد للثقافة والفن نقدم لك جزيل الشكر وأسمى عبارات التهاني بهذا المولود الجديد الذي سيؤثث الساحة الأدبية المغربية، مضيفا لها الشيء الكثير والقيم. 


ج : أنا بدوري أشكركم على الإستضافة، وعلى المجهود الكبير الذي تقومون به، وأتمنى أن أكون عند حسن ظنكم و ظن القراء الكرام.

كما أغتنم الفرصة لأشكر كل من شجعني وساندني معنويا وماديا، وللإشارة فقد لقي هذا العمل مساهمة مادية من مغربية تقطن بأمريكا من أجل الطبع وكذا مواكبة من أدباء وفنانين محليين معروفين، بالإضافة لأبناء منطقتنا...ولهذا فأنا أشكر الجميع من هذا المنبر الإعلامي المتميز.

دام لكم التوفيق والنجاح ، مع تحياتي لطاقم مجلة امتداد للثقافة والفن ولقرائها الكرام...ودام امتدادها.

هناك تعليقان (2):

  1. غير معرف23/6/22

    محمد بوسرارف من قرية با محمد، من المعجبين بالعطاء الأدبي للأخ أحمد المودن، وأعتبر كتاباته هادفة، تحمل هموم المنطقة.

    ردحذف
    الردود
    1. أحمد المودن24/6/22

      شكرا لك السي محمد بوسرارف، أعرف أنك من خيرة المدعمين لتجربتنا الأدبية، تحياتي لك ، حفظك الله ورعاك.

      حذف

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "