الزلزال قصة قصيرة
بقلم أحمد المودن
كانت القرية هادئة، والناس نيام...
أثار نباح الكلاب انتباه حمادي فخرج يستطلع...
بيده مصباح، وباليد الأخرى عصا يحملها عادة كاحتياط...وما أن خرج من الباب الخارجي حتى اهتزت الأرض من تحت أقدامه...سقط حمادي ثم تدحرج نحو الأسفل...حاول الوقوف، لكن في ثوان قليلة اهتزت الأرض بقوة أشد، فتساقطت البيوت الطينية كما لو أنها أوراق أشجار ذابلة...
حاول حمادي العودة بسرعة للمنزل لانقاذ ما يمكن انقاذه، فوجده عبارة عن كومة من الرفات ، والحطام، وتحته كان أنين زوجته يُسمع بشكل متقطع.
بغريزة الأبوة حاول إزالة الحطام والإفراج عن زوجته وأبنائه لكن هيهات، فالأمر ليس بالهين .
انطلق كالسهم يبحث عن جاره موسى طلبا للمساعدة، لكن بيت الأخير هو الآخر كان محطما...
بات ليلته وحيدا يبكي وهو يحاول انقاذ أهله، وفي الصباح كانت الفاجعة: لقد استوت بيوت القرية جميعها بالأرض...نعم لقد حطم الزلزال كل شيئ ...جلس حزينا ينتظر ظهور ناج أو زائر ولكن الصمت كان هو السائد...
عاد لبيته ينبش في الركام، فاستبشر خيرا حينما ظهر قطه الصغير...وكَبُرَ الأمل حينما رأى طائرة تحلق بالسماء...لوح لها بقميصه، لكنها سرعان ما غابت...
اخيرا اقتنع أنه مستحيل ان يزيل كل هذا الركام لوحده، خاصة وأن البناء كان يعتمد على الطين والخشب والقصب فقط...
يزداد حزن ويأس حمادي، بل وأحس بغربة في وطنه، فلا وجود لمغيث ولا لأجهزة الدولة، فاصبح سؤاله الوحيد هو لماذا لم تتحرك فرق الإغاثة لإنقاذ أهل هذا المدشر الذي يتواجد بأعالي جبال الأطلس؟!
بعد يومين من الإنتظار، مرت طائرة فوق رأسه ثم قذفت بمعونة واكملت مسيرها...انتقل بسرعة لمكان سقوط المعونة فافترس الخبز بشراهة، لقد كاد الجوع ينهي حياته...
خلال اليوم الثالث وصلت طلائع الجيش تتقدمها جرافة كانت تزيل الأحجار الكبيرة التي ألقى بها الزلزال فوق الطريق ، فأعاقت حركة فرق الإغاثة، وأخرت وصولهم.
انتشر المنقذون وسط المدشر مستعملين كلابهم وأجهزتهم المتطورة...كانت بداية الحفر بمنزل حمادي ...الحمار لازال حيا...والكلب أيضا...مما يعطي أملا أكبر...
الطين يعتبر أكبر عائق امام سرعة العمليات... فجأة يظهر راس طفل مهشم...يبدو أنه ميت...ثم ثلاثة أطفال آخرين في فراشهم...للأسف فقدوا حياتهم هم أيضا...
حمادي يصرخ باكيا وهو يؤكد لهم أن زوجته هي الأخرى موجودة تحت الركام...
بعد ساعة ظهرت أقدامها...كانت دافئة...
- هناك أمل ...
يقول أحد المنقذين...
بعد دقائق يصرخ أحدهم
- إنها حية، إنها حية...
فاطمة إذن لازالت حية، لكنها أصيبت بكسر في يدها...لقد كانت محظوظة لأن الرفات الذي سقط فوقها كان مشكلا من القصب والأخشاب، مما حمى رأسها، وجعلها تتنفس...
تم وضع فاطمة بطائرة هليكوبتر ثم نقلوها للمستشفى...
استمرت أعمال الحفر في باقي البيوت، بحثا عن ناجين...
اختلطت أحاسيس الصدمة والحزن والفرح بقلب حمادي...لقد فقد أبناءه الأربعة ، ونجت زوجته بأعجوبة...وضاع منزله، واندثر المدشر بأهله...وكأنه لم يكن...
اقتربت صحافية بقناة عربية من حمادي وسألته عن مطالبه، أجاب بحزن:
- أريد ان أطمئن على زوجتي وأن أدفن أبنائي، وأن يبنو لي بيتا يقيني قساوة البرد خاصة واننا مقبلون على فصل الشتاء حيث تسقط الثلوج هنا بغزارة.
نزولا عند رغبته، تم نقل حمادي بطائرة ليزور زوجته...
بالمستشفى صادف زيارة ملك البلاد للضحايا، فأعجب بذلك، بل وفرح كثيرا حينما شاهد الإعانات التي سهر أبناء الشعب على جمعها ونقلها للمناطق المتضررة...
بحجرة منفردة بالمستشفى سألته زوجته عن الأبناء، فأجاب:
- إنهم بين يدي الله...لا تقلقي فنحن لازلنا صغارا يا فاطمة، ستلدين أطفالا آخرين بإذن الله...وقد وعدوني ببناء منزل جديد...سيعوضنا الله يا فاطمة...فهذا قضاء الله وقدره ولا راد لقضاء الله...
- ونعم بالله يا حمادي...
تقول الزوجة وق
د كادت تفرج عن ابتسامة رقيقة، لولا أنها تذكرت ما فقدته...
#أحمد_المودن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "