23‏/2‏/2018

بين المدشر ومركز غفساي

بقلم المودن أحمد

كان التجاني مزهوا، كيف لا و هو من بين القلائل الذين حصل لهم شرف متابعة الدراسة بغفساي، تلك القرية التي كانت تجمع تلاميذا من كل المداشر المجاورة : أفوزار، بني يزو، القلايع ، النقلة، اللبابنة، المكمل، تامسنيت، الرتبة، بابت البير، عين باردة، تازغدرة، الزغاريين، أولاد صالح، الورتزاغ، سيدي المخفي، تافرانت......بل ومن مولاي بوشتى والقرية.
ينتظر التجاني ارتفاع منسوب بطن أبيه، لعله يفوز بما سيبقى في الصحن...أبو التجاني لا يأكل مع أبنائه في نفس الصحن، هذه عادته ...
تذكر التجاني جدته التي تسكن لوحدها على بعد أمتار...
" أنا بنمشي عند العزيزة رحمة..."
بهذه الكلمات ودع أسرته على أمل العودة في الليل...
يدق الباب ...تجيبه جدته التي ألفت أن يدق بابها لأنها مولدة، و " طبيبة " و تزيل العين:
- شكون ؟
- غي أنا العزيزة..."
- سيدي أحمد التجاني بجنيحاتو غطاني...ادخل الحبيب"
ترد الجدة مدللة حفيدها المحبوب...
يودع النهار شمسه...عشاء متميز احتفالا بعودة " الأستاذ" التجاني، دجاجة بلدية ريشها أكثر من لحمها، فاز الأب بصدرها، وما تبقى تم اقتسامه بالتساوي...
اتخذ الأب مرقده قرب المدفئة التي لا تبرح مكانها لا شتاء ولا صيفا...في حين اتخذ الأبناء الحصير فراشا والبطانية غطاء ...يسود صمت رهيب يكسره نباح الكلاب، أو شخير الأم...وفجأة ينادي أحدهم شاكيا:
" أيما...يما...هاهو أيقي علي رجلو..."
وعد ووعيد ثم صمت فشخير...وبعدها يبدأ الأطفال الخمسة في حرب الغطاء ...الكبيران يتواجدان على الأطراف ، والصغار في الوسط مع الغالب...
فجأة يسمع صراخ الأم : " أبطني...أبطني...سيرو قولو للعزيزة تجي..."
خرج التجاني مسرعا قاصدا بيت جدته...تبعته " لويزة " وكانها تشد بأزره...ففي البادية كل شيء يخيف ليلا...الجن،الضفادع، البوم...كانت ليلة مقمرة سهلت مأمورية التجاني في هذا العبور الخطير ...يدق الباب وهو ينادي: " العزيزة...العزيزة ...يما أدقولك أجي...يمكن بدولذ..."
حملت الجدة أدواتها وأغلقت وراءها بابا خشبيا أحكمت إغلاقه بقفل قل نضيره...
وبسرعة تم ربط الحبل في "القسامة" ( قطعة خشب غليظة تربط بين حائطين متقابلين، وفوقها توضع قطعة خشب أخرى صغيرة ترفع "السهام " من الوسط )
يدخل التجاني جحره وسط إخوانه ...يغطي الجميع وجوههم متظاهرين بالنوم...
" ازحم...ازحم...ازحم...ساين ندير الزيت ..." تكررت هذه الكلمات كثيرا...كان جسد التجاني يقشعر عند صراخ أمه...بل خاف أن تموت كما حدث في السنة الماضية للضاوية
...فقد ماتت المسكينة وهي تلد ...حاولت عائلتها إنقاذها...وضعوها فوق بغل...وقصدوا الطريق الرابطة بين كتامة وغفساي...وفي" الباب دالهواري" جلس الجميع ينتظر شاحنة أو "بيكوب"...قد تأتي أو لا تأتي...فعدد الشاحنات بالمنطقة كلها لا يتعدى الأربع وكلهم لأناس من كتامة أو تاينزة...
كان يوما ممطرا...صعد العياشي الى كدية ليستطلع...وفجأة صرخ " نوضو...نوضو...الكاميو دقبوش ماجي ..."
بعد نصف ساعة وصلت الشاحنة ...ركب العياشي وزوجته في الخلف...وانطلقت رحلة القفز والتزحلق...المطر يزداد تساقطا ...وفجأة تتوقف الشاحنة ...يستفسر العياشي ، فيأتيه الجواب صادما ...
" راحنا وصلنا للنقلة...ورا الكاميو وغل في الغيس...نزل ددفع معانا..."
ينزل العياشي تاركا زوجته وهي تنزف دما...
تطلب الأمر جر الشاحنة بالدواب...لم يتردد سكان مدشر النقلة في مد يد المساعدة...خرجت الشاحنة من الوحل...صعد العياشي ليبشر زوجته، فوجدها جثة هامدة ...
التجاني لا يريد هذا المآل لأمه...
يطول الانتظار...وفجأة صراخ مولود جديد...لكنه غير مكتمل...
- من مذكرات التجاني -
#أحمد_المودن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "