قصة قصيرة
بقلم المودن أحمد - جديد 2019 -
حمل احميذو معوله على كتفه و انطلق...فقد قرر العودة لبلدته...بداخله حماس االثوار و طموح التغيير، وفوق كتفه معوله...نعم سيحقق بالمعول ما عجز عن تحقيقه بالقلم...
كان حلم احميذو كبيرا، وهو يطل على تاونات من تلال عين قنصرة...نعم قرر أن يهدم الأصنام ببلدته، و أن يحول مجاري المرج و يغير أبواب الجماعات و القيادات والباشويات والعمالة بحيث لا يلجها إلا مواطن مؤهل صالح...
الحماس يكبر والطريق يطوى طيا و احميذو يحلم :
- هذه الطريق الوطنية يجب أن تثنى...
- هذا الموظف الذي يأخذ رشوة بالطريق من صاحب سيارة مخالفة للقانون يجب أن يعزل...
- هذه المعصرة التي فاض مرجها ليلوث الوادي ، يجب أن تغلق...
- المدرسة الآيلة للسقوط يجب أن يعاد بناؤها و أن تبنى مدرسة في كل دوار و مستوصف في كل قرية ...و أن يكون عدد المعلمين و الممرضين كافيا...
عرج احميذو على الطريق المؤدية إلى غفساي عبر الورتزاغ...وبحماسه الثوري علق لافتة عند وسط الطريق كتب عليها:
- أما آن الأوان لتنتهوا من خربشاتكم بهذه الطريق؟
كانت عمليات بناء القناطر تتم ببطء شديد وكأن المقاول له ألف مشروع آخر يطوف عليها ليرجع لهذه الطريق البئيسة فيرقع ما شاء، متى شاء...
عند قنطرة الورتزاغ أحس احميذو بهمس رجال و آثار أقدام حافية تتربص به...لكنه لم يرى شيئا نتيجة ضباب ربط النهر بالسد...
ازداد حماسه...إنه يقترب من بلدته حيث الأصنام أصبح لها خدام وناطقين رسميين و قرابين و كرامات وغضبات...فمن كراماتها أنها تطلق سراح المساجين أشخاصا كانوا أم سيارات، ومن غضباتها سجن المتمردين و تلفيق التهم لهم عن طريق الشكايات الكيدية ...
بغابة برويز عند مدخل غفساي وقف احميذو ينظر لنصب تذكاري هناك ...وما أن أنزل المعول عن كتفه حتى وجد نفسه وسط مجموعة من القوم منهم من يحمل سيفا ومنهم من يحمل هراوات و منهم من أخفى سلاحه في غمده...
تقدم أحدهم وخاطب احميذو :
- أخ أنت أم رفيق ؟
أجاب احميذو بلباقته المعهودة:
- أنا جبلي ...بل وتحديدا زروالي ...فما خطبكم؟
لم يبتسم أحد منهم بل تبادلوا النظرات فقط، ثم سأله أحدهم :
- أأنت من حزب الجرار؟
- لا يا سيدي... أنا أحرث فقط ليلا وأعتمد على المحراث الخشبي فقط نهارا...
سخر فريق منهم من جواب احميذو ، ثم سأله رجل يحمل بندقية صيد :
- إذن أنت من حزب المصباح ؟
- لا يا سيدي ...فأنا حلمي هو أن يعم الكهرباء كل دار ببلدتنا المنسية ...
- تدخل كبيرهم وقال :
- دعوه يمر فإنه من حزبنا ...حزب الميزان...
- لا يا سيدي فأنا " عيني ميزاني " ...بل لا أنتمي...
يقاطعه صاحب السلاح الوظيفي المحشو في غلافه غاضبا:
- فمن تكون إذن و ما هي دوافع زيارتك لحضيرتنا...عفوا لحاضرتنا؟
تدخل شخص يحمل جميع علامات البؤس على محياه:
- دعه يا سيدي يمر فأنا متأكد أنه جاء ليأخذ الزيت والزيتون كباقي أبناء البلدة المهاجرين الذين لا يتذكرونها إلا في مواسم التين والزيتون...
يغضب احميذو من هذه التهمة فيتسلق النصب التذكاري ، ثم يخطب في القوم قائلا:
- يا قوم ، حملت معولي لأحطم أصناما بشرية جعلت بلدتنا في عداد القرى المتخلفة عن ركب التنمية...ألا تقارنوا بين منطقتنا ومناطق أخرى من هذا الوطن ؟ ...اعطوا الفرصة للمثقفين ليسيروا الشأن العام...لا ترهبوا ولا تقمعوا من يناضل من أجل خير هذه المنطقة ...تعلموا حب البلدة والوطن عوض حب الكرسي ...اصنعوا من أبنائكم جيلا واعيا مثقفا طموحا ولا تعلموهم الخنوع والتفرقة والصراع و صناعة الأصنام البشرية...
اجتمع القوم ليناقشوا أمره...كانت همساتهم تصله وهو واقف بشموخ فوق النصب التذكاري ...منهم من قال " لنضع الحشيش في جبه " ومنهم من اكتفى باقتراح شكاية كيدية و منهم من قال " اصلبوه فوق النصب ليكون عبرة لمن أساء لأصنامنا..." لكن طلقة سددت من بعيد ...من وسط الغابة كانت كافية لتسقطه عن سريره ...فينتهي حلمه وهو يرى ارحيمو تحمله لترجعه لمكان نومه وهي تردد :
- خير وسلام الحبيب ديالي خير وسلام...
التعاليق حول النص هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "