23‏/10‏/2022

هجرة قروية ج 7

 هجرة قروية ج 7

تقنين " الكيف "

بقلم أحمد المودن 

بعد إطلالة خفيفة على منزله بالبادية، ثم زيارة لأهله، وجد عبد السلام نفسه بين نارين: ذكريات تجره للعودة لأرضه جرا، وواقع ينفره منها، ويرغمه على المقاومة والبقاء في طنجة رغم المستقبل المظلم...

في الليل كان على موعد مع صديقه احميدو...عشاء تفننت ارحيمو في طهيه، دجاجة بلدية ساجدة بصحن " الطاووس"، خبز ساخن حل للتو من الفرن ، وعنب أسود، وحول الطاولة جلس احميدو وعبد السلام رأسا لرأس:

- وقول لارحيمو ادجي تاكول معنا أحميدو...

يقول عبد السلام بعدما سمى الله...

- غي خليها دبا تاكول مع الفرخين...الخير موجود أعبسلام...أنا بغي نهدر معك فالموضوع ديالنا...

- فعلا خصك تعطيني ديك الفلوس اللي قلت غدي تسلف لي...

- اسمع يا عبد السلام، أن تكون فقيرا، ذكيا، وتعرف كيف تغتنم الفرص، أفضل من أن تكون غنيا، مسرفا، وغبيا...

- صحيح...صحيح...

يقول عبد السلام وهو يعزل فخد الدجاجة عن باقي جسدها...

- الخطة التي سأنصحك باتباعها تقتضي منك ، أن تبحث عن سمسار محترف ، نعم وكيل عقاري تثق فيه وله علاقات مع المسؤولين، وبعدها ستنتقل للمرحلة الثانية...

طال الحديث بينهما، ولم تكسر إيقاعه إلا ارحيمو وهي تسألهم:

- نزيدكم المرقة...

يضحك عبد السلام وهو يرد عليها:

- المرا مراقة زيدها فصداقا...هههه...زيد ارحيمو زيد... قالوا ناس زمان " الخبيزة سخونة والعربي جيعان "...ههه

يضحك احميدو بدوره وهو يفتت عظام الدجاجة، ويقول:

- لولا زيارتك لنا، لما هيأت لي ارحيمو  عشاء بالدجاج البلدي، إنها تكرم الضيف وتبخل على البعل...هههه

 انتهت سهرتهما، وقد أخبر عبد السلام الجميع أنه سيرجع إلى طنجة صباحا، فقد اتفق، من قبل، مع  صاحب النقل السري على ذلك.

في الصباح انطلقت السيارة...لأول مرة بكى عبد السلام، وهو يودع المدشر بعينيه...ليس من السهل أن تقضي أربعة عقود بموضع ثم تجد نفسك تهاجر منه نحو المجهول، وكأنك تولد من جديد...

- سمعت انهم سيقننون القنب الهندي...لقد اختاروا مدير الوكالة التي ستسهر على ذلك...

يقول السائق محاولا تكسير الصمت، وطرد الحزن عن وجه عبد السلام...فيرد الأخير:

- هكذا قالوا لنا من قبل، فأين صناديق التنمية القروية، وانعاش أقاليم الشمال؟ أين هي المشاريع التي أصبحت سرابا؟ ألا يؤلمك حال هذه الحمير التي تنقل الماء؟ وهؤلاء البؤساء الذين نصادفهم، ألا تعرف أنهم لا يجدون مالا للتسوق، بل أغلبهم غارق في الديون حتى أذنيه، ويرسل غيره للسوق للتبضع نيابة عنه؟! هل نبقى على هذا الحال منتظرين تقنين القنب الهندي؟...صدقني أن قانون التقنين بشروطه الحالية هو قانون سيجعل أهل جبالة عبيدا ببشرة بيضاء... 

لقد ضربت الأزمة اطنابها هنا يا أخي،والدولة نائمة أو متجاهلة لأهل البادية، وقد صدق من قال " حتى شي قط مكيهرب من دار العرس "...

يتبع...

#أحمد_المودن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "