12‏/10‏/2022

هجرة قروية ج 6

 هجرة قروية ج 6

عودة عبد السلام للمدشر

بقلم أحمد المودن


وهو عائد إلى بيته، كانت قدماه تضرب الواحدة في الأخرى، لقد كان ثملا من دون أن يشرب خمرا...

بباب البيت يدق عبد السلام دقا خفيفا، تفتح فاطمة الباب، ثم تفسح له المجال للدخول وهي تسأل مستغربة:

- ما بك يا عبد السلام؟!

- خذي أدوات البناء هاته وضعيها فوق المرحاض، فقد بلغ مني التعب مبلغه.

يقول عبد السلام وهو يُخرج النقود من جيبه ، ثم يضيف:

- خذي هذه النقود...اصرفي النصف، واحتفظي بالنصف الآخر...لا تعتقدي أنه كل يوم سأطل عليك بمثل هذا المبلغ...

- تبارك الله...لا تنسى أني دعوت معك وأنت خارج من البيت...

تقول فاطمة وهي تعُد النقود فَرِحة، لكن عبد السلام سيصدمها برده:

- آه لو تعلمي يا فاطمة كم تعبت في تلك النقود. لقد أعدت بناء السور أربع مرات متتالية...أنا متعب الآن يا فاطمة، سأذهب للفراش كي أستريح.

خبأت فاطمة النقود، ثم قصدت فورا بائع الدجاج...طبعا يجب الإحتفال بهذا الخير العميم...

الدجاجة المحمرة بالمطبخ، وفاطمة تضع كحلا بعينيها، وتعطر المنزل...

حينما حل وقت العشاء، حاولت الزوجة أيقاظ عبد السلام، لكنه رفض القيام بدعوى أنه أكل كثيرا بالدار التي بنى بها السور...

عندما قررت فاطمة النوم، كان شخير عبد السلام يُسمع من السلالم...وحينما بالغت في إيقاضه، رد عليها بعنف:

- دعني أنام، فأنا أريد أن أسافر للبادية غدا صباحا...

تحول غريب حدث فجأة، وقد فسح المجال لأسئلة وشكوك فاطمة، خاصة لما هجر النوم جفونها.

في الصباح، لبس عبد السلام لباسا أنيقا إلى حد ما، ثم توجه إلى محطة الحافلات، ومنها إلى المركز القروي بعدما صادف سيارة تحترف النقل السري...

المدشر يبدو أصفر اللون، لقد اختلط صيفه بخريفه...دواب تنقل الماء، و أطفال مدرسة يحملون محفظات أكبر من أجسامهم النحيفة، هذا ما صادفه اليوم بطريقه وهو يترجل قاطعا المسافة بين المركز والمدشر.

- هذه البلدة لن تتغير أبدا، فالبؤس سكنها للأبد...

يتمتم مع نفسه وهو يدخل المدشر.

طبعا، قصد عبد السلام منزل صديقه احميدو، وكم كانت دهشة الأخير وهو يقتح الباب للطارق:

- أهلا، أهلا ، الحبيب، كيف حالك يا عبد السلام، لقد صدق من قال" تهاجر الطيور ولا تنسى أوكارها"...

- حفظك الله يا صديقي، لقد عدت، وفضلت أن أمر عليك، قبل الأهل والدار...

يرد عبد السلام وهو يعانق احميدو بقوة.

جلس الإثنان في بهو المنزل في حين تكلفت ارحيمو بتهييء الشاي للضيف الغير منتظر.

تاه الإثنان في حديثهما عن المدينة والبادية وما آلت إليه الأحوال، ليعترف عبد السلام بزلته لصديقه احميدو، فانتفض الأخير واقفا:

- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم! كيف سمحت لك نفسك بخيانة زوجتك؟ أ ما سمعت يوما " بشر الزاني بالفقر ولو بعد حين " !؟ ماذا ينقص زوجتك حتى تخونها، لعنة الله عليك...ألا تعرف العذاب الذي ينتظر الزاني والزانية؟!...أو الله انتنا أعبسليمو إيلا فيك شي دعوة بالله...

يقول احميدو وهو لا يكاد يصدق  ما سمعه من صديقه...لكن الأخير يرد عليه وهو ينظر إلى الأرض:

- في تلك اللحظة كنت أفكر فقط فيما كان يمليه علي الشيطان...كان يقول لي " إذا أعطتك بالكساد ، فاعطيها للفساد"...هههه

- ملعون أنت وشيطانك...إسمع يا صديقي، تب إلى الله واستغفره، وإياك أن تكرر فعلتك...

- أعدك ألا أكررها ، فإني أحس باللعنة تنزل علي " صبًّا صبًّا "...

تضع ارحيمو الطاولة بينهما، فيغيرا الحديث وهما يأكلان:

- قل لي يا عبد السلام، ما الذي جاء بك لوحدك للمدشر؟

- جئت لأبيع الأرض والدار، أريد أن أشتري منزلا بالمدينة ، قهرني الكراء...

- لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم... 

يعلق احميذو بحزن قبل أن يستدرك:

- اسمع يا صديقي، لا أنصحك ببيع أرضك ودارك، اترك شيئا هنا لتعود إليه ولو خلال العطلة الصيفية، إياك أن تبيع الأرض " الأرض كتدعي بالقراض أعبسلام ، وإياك...ها وذني مناك "

- ولكنني في حاجة للمال... الحياة في المدينة من دون مال كالعيش في الصحراء من دون ماء...

- مهلا ...مهلا...عندي بعض المال جمعته عندما كانت العشبة في عزها، ولعلمك فقط فأنا كنت أشتري منازلا بالمدينة واليوم أكتريها، كنت أعرف ان الأمور ستدور علينا، لكن للأسف الكثير من الناس هنا لم ينتبهوا للأمر،  فاهتموا بالملبس والمأكل وشراء السيارات والخمر...وها أنت ترى النتيجة...على كل حال سوف أقرضك بعض المال، وفي نفس الوقت سأعطيك خطة لاستعماله...نعم ستستعمله هنالك بالمدينة، لكن عليك أن تطبق ما سأنصحك به حرفيا...

قَبَّل عبد السلام رأس صديقه، وأعطاه الفرصة ليقترح خطته...كان يسمع باهتمام كبير...

شكره كثيرا، ثم ودعه على أمل لقاءه خلال الليل بعد أن يزور أباه.

يتبع....

#أحمد_المودن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "