7‏/3‏/2018

عجوز تحت الأنقاض

عجوز تحت الأنقاض
قصة قصيرة بقلم المودن أحمد
لم يشهد هذا المدشر تساقطات مطرية ورياح عاتية بمثل ما أمطرت هذه الأيام، منذ عقود كثيرة، لزم السكان منازلهم مستئنسين بدفء الفراش، ونار الكوانين، وصوت المطر الذي يتساقط دون توقف.
من حين لآخر يخرج أحدهم ليطوف بمنزله مراقبا ما اقتلعته الرياح من قصدير أو بلاستيك ، أو حيطان تشققت، أو مجاري اختنقت...ثم يعود مسرعا إلى الداخل كفأر مبلل.
بالداخل يكتفي الشباب بالنقر على شاشات هواتفهم، في حين يتابع الكبار آخر اﻷخبار وجديد الحالة الجوية على شاشة التلفاز حينما يعود الكهرباء للمدشر...
الدراسة متوقفة...الرعي متوقف...الحركة متوقفة...أبقار تستغيث هنا وماعز يطالب باﻷكل هناك ...وحدها اﻷصوات التي تحملها الرياح تعبر عما يدور بخلد اﻹنسان والحيوان من جوع أو خوف.
تحسنت اﻷحوال قليلا يوم الجمعة، فخرج الناس من ثغورهم لأداء الصلاة...خطبة الجمعة كانت حول ضرورة التضامن مع ضحايا الفياضانات بالجنوب وكذا مع أهل فلسطين ومسلمي بورما...
خرج الناس من المسجد ليلقوا نظرة على الدوار بعدما انقشع الضباب...كان المنظر صادما...أعمدة كهرباء متساقطة، أشجار مقتلعة، قصدير متناثر، قناطرمهدمة...
اطمئن كل واحد على منزله وأرضه من كدية المسجد المرتفعة فاطمأنوا وتاهوا في الحديث عن الموسم الفلاحي وعن آخر أخبار البلد، بل وتعدوها ليتحدثوا عن محنة اﻹخوان السوريين مع البرد القارس، ولم يوقف هرجهم سوى صوت طفل هزيل :
- الدار دخالثي فطيطم رابث...
هرع الناس نحو دار العجوز فطيطم، وبداخل كل واحد منهم سؤال واحد : كيف لم ينتبهوا لهذه الدار وهم يراقبون حالة الدوار بعد انقشاع الضباب ؟
كان المنزل عبارة عن كومة طوب وأحجار وخشب، سارعوا في البحث بين اﻷنقاض ليصلوا أخيرا إلى جسد نحيف يئن بعدما اتحد الخشب المتساقط، والمشكل من السهام والقسامة والحنيات
ليشكل شبه خيمة أنقذتها من موت محقق...
خجل الناس من أنفسهم، إذ لا أحد سأل عن العجوز المسكينة ولا من فكر فيها طيلة أيام العاصفة وهي التي تسكن لوحدها من دون معيل ولا مؤنس!!!
وأخيرا قرر القوم حملها للمستشفى لعلهم ينقذوها من الموت...
زاغت عجلات السيارة التي تحملها يمينا ويسارا ثم استقرت وسط الأوحال...استعمل الناس الحبال لجرها، وبعد عناء كبير استطاعوا إيصال السيارة إلى المسجد قصد ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "