14‏/5‏/2022

 الماء والشطابة- نسخة 2022- 




أثار انتباه احميدو منظر " شطابة " ألقي بها قرب منزل طيني وقد غطاها الوسخ وتآكلت جنباتها و كأنها لسان حال أهل القرية...

تساءل مع نفسه لماذا يردد أهل البادية عبارة "الما والشطابة حتى لقاع البحر "؟؟؟

أكيد أنه هناك سرا لا يعرفه سوى أهل القرى، لذا قرر أن يتواصل معهم عن قرب ليعرف السر...

كانت بداية الغيث قطرة، فقد جلس احميدو وسط مجموعة من الرجال المسنين الذين اتخذوا من الحائط الخارجي للمسجد متكأ لهم ...

جلس معهم ليستمع فقط، فهو يصغرهم سنا، و لا يحق، في عرف البدويين، أن يتكلم صغير السن، بل وقد لا يجالسهم أصلا...

جاء العم عبد السلام بخبر ساخن مفاده أن حارس الغابة قد رحل...

علق العم عبد القادر ببرودة دم: " الما والشطابة... "

ليلعق بعدها بأنفه الطويل سطرا من "النفحة "، ثم يتابع :

- أكيد أنه قد شبع، وقريبا سيأتي آخر أكثر جوعا منه، فيمتص دماءنا أكثر مما يمتصها الناموس والبرغوث...".

العم عبد السلام أفرج عن خبر آخر، وكأنه كان ينتظر فقط من يفسه له المجال :

- بل حتى"لاجودان " سيغادر قريبا...هذا ما أكده لي المقدم.

رد عليه العم الطاهر وهو الذي اقتنصه "المخزن" من بين كل مزارعي القنب الهندي ليكون كبش فداء :

- سيذهب "لاجودان" بعدما ساهم في تفقيرنا، بسلبنا رزقنا، أو سجننا إن نحن رفضنا أن نؤدي...أتعلمون أنني سمعت أنهم يتهافتون ليعيَّنوا في منطقتنا... بلادنا فيها المرعى هههه...الما والشطابة...

وهنا اننتفض احميدو ناسيا فارق السن بينه وبين الشيوخ الجالسين بجانبه:

- لب المشكلة هو أننا نحن من نستحق هذه الشطابة ...فصمتنا و خنوعنا و خوفنا هو السبب. المسؤولون المفسدون يجب أن يشطبوا تشطيبا. نحن لا نستطيع تشطيب حتى من ينوبون عنا، رغم عجزهم التام، فبالأحرى من أطلق يدهم المخزن، ودربهم خصيصا ليصنعوا منا أداة انتخاب و صمت!

بدأ البدويون ينسحبون من حول احميدو الواحد تلو الآخر، ليجد نفسه وحيدا يتكلم كالأحمق ...

اسرع الخطو ليلتحق بآخرهم و يعرف سر انسحابهم. لحق بالعم عبد القادر الذي رد عليه قائلا :

- أنت يا ولدي تتكلم في السياسة...احذر...

ابتسم احميدو وهو يتمتم :

- اذهبوا ، الماء و الشطابة...الناس وصلوا الى استعمال كراطة تذر عليهم عشرينا مليارا، ونحن لازلنا نستعمل شطابة الدوم و نردد بيننا و بين أنفسنا" الما و الشطابة حتى لقاع البحار" ...فلم نعد نجد ماء نشربه...فما عساها ستفعل الشطابة من دون ماء؟!

#أحمد_المودن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "