هجرة قروية - ج 4 -
عبد السلام # احميدو بقلم أحمد المودن
هذا اليوم لم يكن كباقي أيام عبد السلام بطنجة، فقد قام بجولة زار خلالها أرقى الأحياء، وأجمل الحدائق ، بل وجلس بمقهى مشهور يطل على البحر...
- البحر كبير يا عبد السلام، أكبر مما كنت، تتصور...تخيل لو أنك تتقن السباحة؟
هكذا حدث نفسه وهو ينظر إلى أبعد نقطة حيث تبدو إسبانيا على مرمى حجر...
- لو كان بامكاني أن أصل إلى هنالك لعملت ولو في حقول الفراولة، وتزوجت بأجنبية هناك، وليحصل ما يحصل...
لم يُخرِج عبد السلام من هذيانه سوى مرور مجموعة من المهاجرين الأفارقة الذين استوطنوا الشواطئ النائية استعدادا لاغتنام فرصة هجرة قد تأتي أو لا تأتي...
حينما عاد عبد السلام إلى بيته مساء ، كان سعيدا جدا، بل وكان يريد أن يحكي لفاطمة عن طنجة الأخرى التي اكتشفها اليوم، ولكن هيهات، فلكل حصان كبوة، وكبوة عبد السلام اليوم هي احميدو!
بمجرد ولوج المهاجر عبد السلام باب بيته، رن هاتفه ليشعره بوصول رسالة نصية تقول : " ابن خالتي عبد السلام، يؤسفني أن أخبرك أنني قررت عدم الهجرة، وبالتالي سأبقى هنا بالبادية، سأحرث الزرع، وأغرس الأرض، وأربي الماشية، كما كان يفعل أجدادي...لا تعتقد أنني أصدق خرافة تقنين القنب الهندي، ولا ما يقولونه في التلفزيون عن صناديق " تنمية أقاليم الشمال" و " التنمية القروية"...أنا لا أصدق ذلك أبدا، ولكنني اقتنعت بأن العيب ليس في الأرض، إنما في أهلها، فنحن من سكتنا طويلا، ولم نطالب بحقوقنا، نحن من قطعنا الغابة، وقضينا على الفرشة المائية، نحن من أعطينا الفرصة للمسؤولين ليستغلونا بالشكايات الكيدية، والذعائر، نحن من أقنعناهم بأننا نخاف بمجرد أن نرى دركيا، حتى وإن لم نرتكب جريمة ولا مخالفة، نحن من نبيع أصواتنا ونرشح الأميين...أليس كذلك يا ابن خالتي؟!
أجدادنا يا عبد السلام كانوا شجعانا، ولم يهاجروا من أرضهم رغم قصفهم بالطائرات الإسبانية والفرنسية، لقد تشبثوا بأرضهم، واكتفوا بالحلال من المزروعات والمغروسات...فلماذا نهاجر نحن ونبيع الأرض بأقل سومة، ثم نرحل للمدن لنعيش في السكن العشوائي، ونعيش العبودية الجديدة؟!...علينا أن نثور ضد الظلم والإهمال الذي تعاني منه البوادي، علينا أن نقوم ، إن اقتضى الحال بمسيرة للرباط، لكي نوصل صوتنا لمن يهمهم الأمر..."
حينما انتهى عبد السلام من قراءة رسالة احميدو ساوره شك كبير بأن احميدو البسيط لا يمكن أن يكتب رسالة بهذا الشكل...
- يبدو أن أحدا قد أخذ هاتف احميدو وكتب هذه الرسالة...سأتأكد فورا.
هكذا قال مع نفسه وهو يُركِّب رقم احميدو.
- ألو ...
- ألو ...
- اهلا احميدو ، كيف عامل أبن خالثي؟
- أهلا وسهلا الطنجاوي، كيف انت أخاي عبسلام.
- مضخم الحبيب، بارك الله فيك...قل لي أخاي احميدو واش ديك البرية اللي صيفطت لي انتنا اللي كتبتها ولا كتبلك شي مُرشح...ههههه
يقول عبد السلام وهو يكتم ضحكته بوضعه كفه على فمه، فيرد احميدو ضاحكا:
- ههههه، مرشح ؟! هههه، الله يهديك يا عبسلام واش احنا عندنا شي مرشحين بعدا...خليني ساكث الله يرحم جدك فالقبر...ديك المساج كتبثو لي بنتي السعدية، الله يرضى عليها، اللي أدقرى فالجامعة...تبارك الله هاد العام عندها الإجازة فالحقوق...اولاد اليوم أخاي عبسلام تبارك الله اعليهم قاريين وواعيين، ماشي بحالنا...كيعرفو الحقوق ديالهم والواجبات اللي عليهم...الطفلة قالت لي والله من هنا لا ارحلنا...واحتا ارحيمو شاورتها ندمثني.
- وعلاش ندماثك؟
- قلتلها واش نرحلوا للمذينة ، وهي دسوكلي بواحد الصبع، صَخَّار الله الفرخين مكانوشاي حذانا...هههه
- ايوا شنو غدي نقولك الحبيب، طنجة غزالة، والدنيا مبهجة هنا، وانت شوف اللي تسلكك...
- واحتا هنا الدنيا مبهجة أخاي عبسلام، عاد گاز وحد النهائي دالدوري ، والله ودقول الريال مع البرصا، النشاط دبالصح، والغيضة والطبل أدکول الدرابل...والله مكرهتك تكون معانا...ولكن الغالب الله...أنا إيلا ساعفتني أجي دفراع العنب مع راسك ، على حقو وطريقثو...هههه
يتبع...
#أحمد_المودن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "