28‏/9‏/2022

هجرة قروية - ج 5 -

 هجرة قروية  - الجزء الخامس -

ورطة عبد السلام

بقلم أحمد المودن

- ما بك يا عبد السلام تخرج حزينا وتعود حزينا؟!

- هناك حقيقة مُرة تعبت من إخفائها عنك يا زوجتي...لقد فُصلت عن العمل بعد انتهاء فترة التدريب المؤدى عنها، وبالتالي لم تُجدد الشركة معي العقد...

- والآن إلى أين أنت ذاهب؟

- إلى "المُوقَف"، لقد نصحني صديقي الحسين الصباغ بمرافقته إلى هنالك...

- أسال الله أن يرزقك من حيث تنتظر ومن حيث لا تنتظر...

يرتب عبد السلام " طالوشا" و " ملاسة " وخيطا طويلا ومتينا، وكذا ميزان الماء، بحقيبة متوسطة، ثم يودع زوجته...

بالمُوقَف يفاجأ بعدد كبير من الرجال ينتظرون قدوم من يستخدمهم عنده: بناؤون، صباغون، جباصون، مياومون، و...

وجوه عبوسة، شعر أشعث، وملابس عمل تحمل أسماء شركات وماركات،  أدوات عمل معلقة بالأشجار...

- مات البناء في طنجة، والسبب عدم إعطاء رخص البناء...

يقول أحدهم.

- علي ثلاثة أشهر كراء، ولم أأدي فاتورة الماء والكهرباء منذ مدة...سيقطعونه أكيد...

الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا. بدأ اليأس يخيم على كل النفوس. بل أن بعضهم غادر الموقف...

فجأة تقف سيارة فارهة، تطل منها امرأة تلبس جلبابا عصريا، ثم تلوح للجالسين:

- أريد بَنَّاء...

توجه نحوها فوج من الرجال، وهم يتسابقون، ثم حلقوا حول السيارة...

- أريد واحدا فقط، أنت...أنت.. صاحب القميص الأبيض، اصعد من فضلك...

يصعد عبد السلام إلى السيارة، ويجلس بمقعد خلفي...

تلاحق مسامعه كلمات سب وشتم...

- كتعطي غي للعروبية...

هكذا قال أحدهم.

تتحرك السيارة بسرعة مغادرة المكان.

- أريد أن أبني سورا صغيرا بين الفرن والثلاجة بالمطبخ...حتى لا تصل حرارة الفرن للثلاجة...

تقول المرأة وهي تنظر لعبد السلام عبر مرآة السيارة...

- بكل فرح، ستحتاجين آجورا وإسمنتا ورملا...

يرد عبد السلام وهو يقوم بمسح شامل لما يراه من جسد المرأة التي ردت وهي تزيد في صوت الراديو...

- طبعا ، طبعا ، شنشتري كل شيء...

عندما وصلا، لاحظ عبد السلام أن البيت، المتواجد بالطابق الأول بعمارة كبيرة بحي راقٍ، ليس به أحد، سألها مستغربا وخائفا:

 - أين أهل البيت؟...أين زوجك؟

- أنا أسكن لوحدي، زوجي هاجر منذ سنوات لأوروبا ولم يعد، فحصلت على الطلاق بعدما يئست من عودته...أكيد أنه تزوج بنصرانية مسنة هناك ليحصل على أوراق الإقامة...

تقول المرأة وهي تتنهد بعمق...ثم تضيف:

- وأنت؟ هل أنت متزوج؟

- نعم..لا...كنت متزوجا وطلقت، بنات البادية حينما يدخلون للمدينة يتغيرون بسرعة...

بدأ عبد السلام عمله، وبين الفينة والأخرى يسرق نظرات نحو وسط المنزل...يقارن بين جسد زوجته فاطمة النحيف، و جسد هذه المرأة الممتلئ، وقد كشف لباسها بعدما أزالت جلبابها عن مفاتن جعلته يعيد بناء السور عدة مرات، فلا ميزان الماء استوى ، ولا السور استقام...

بعد لحظات جاءته بفطور شهي ثم سألته:

- هل تدخن؟

- نعم...أدخن التبغ والكيف والحشيش أيضا...ههه

يضحك، فتضحك المرأة وهي تناوله علبة سجائر من النوع الممتاز...

- عندما تنتهي من عملك، يمكنك أن تأخذ حماما دافئا...الحمام هناك...

(.............)

عند باب المنزل سلمته أوراقا مالية ملفوفة، وقالت له وهي تغمزه بطرف عينها:

- اذا احتجتك في سور آخر، فسأتصل بك، أو أمر عليك ب " الموقف"...

ابتسم وهو يودعها حاملا أدوات عمله.

بباب العمارة أخرج النقود الملفوفة ، حسبها، ثم تمتم بعدما اكتشف أن المبلغ مهمٌّ:

 - لست أدري أهذا مقابل بناء السور أم مقابل...؟

#أحمد_المودن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم التعليق باسم " مجهول - anonyme "